«اللى معملُّوش جدوده يلطم على خدوده».. مثل لا يصدق على واقع مثلما يصدق على الواقع المصرى الذى أنتجه، فقد يكون الشخص إيجابياً فيعمل ويجتهد، ويشقى ويتعب، وقد يكون سلبياً فينافق ويتنازل، ويتساهل فى إهدار كرامته ويبالغ فى مسح «الجوخ»، قد يفعل «المشتاق» بعض ذلك أو كله دون أن يحقق ما يحلم به، خصوصاً إذا كان المطلوب غاليا مثل الاستوزار، (أى الجلوس على كرسى الوزارة). وما أكثر من يشتاقون إلى الجلوس على هذا الكرسى هذه الأيام، حيث تكثر التكهنات حول إجراء تغيير وزارى موسع عقب انتخابات مجلس الشعب. وتشمل قائمة المشتاقين للمنصب الوزارى رجال أعمال وأقطاب سياسة ورؤساء جامعات وعمداء كليات. الكل يحاول أن يقدم نفسه وأن يستعين بكل طاقاته السلبية الكامنة فى إرضاء من يختارون حتى لو اضطر إلى نفاق من قد ينظر إليه باستهانة، وبامتداح حكمة من لا يثق فى حكمته، وبالإطراء على شجاعة من يثق فى جبنه، وبالثناء على علم من يوقن بجهله، وبتزيين الباطل الذى تردده ألسنة هو أكثر من يعلم أنها لا تنطق بالحق. ورغم هذه القائمة التى لا تنتهى من التنازلات وذلك الفاصل من النفاق والانحناء، فإن المشتاقين إلى كرسى الوزارة قد يخفقون فى الوصول إلى مبتغاهم، لأن الحصول على المناصب الرفيعة فى هذا البلد له قوانينه الخاصة جداً. وأول هذه القوانين الانتماء العائلى، فيمكن لشخص معين أن يجتهد فى التعليم حتى يبلغ سقفه، أو فى السعى نحو المناصب داخل المؤسسة التى يعمل بها حتى يصل إلى قمتها، أو يعمل فى جمع الأموال حتى يُكوِّن منها تلالاً، لكن هذه المعطيات جميعها لا تمكّنه من الجلوس على كرسى الوزارة، بسبب غياب أهم عنصر مطلوب وهو الانتماء العائلى. فلكى تكون وزيراً لابد أن تنتمى إلى عائلة سبق أن استوزر منها أحد، ذلك هو الغالب، مع الاعتراف بأن لكل قاعدة استثناء عندما يتم اختيار بعض الوزراء من العائلات النافذة، بغض النظر عن وجود وزراء سابقين فى أوراق شجرتها. ومن المفارق أنه على الرغم من أن ثورة يوليو قامت– فى الأساس– لمواجهة النظام السائد قبلها فإن ذلك لم يمنع من تفعيل قانون «الانتماء العائلى» فى اختيار الوزراء والمحافظين حتى لو انتموا إلى عائلات كبرى كانت جزءاً من النظام الذى قامت الثورة ضده . ومنذ فترة الخمسينيات وحتى الآن برز العديد من الأسماء التى شغلت هذين المنصبين رغم انتمائها إلى عائلات سبق أن كان منها وزراء ورؤساء وزارات وباشوات خلال الفترة التى سبقت قيام الثورة، من بينها على سبيل المثال عائلة «ماهر» (نسبة إلى أحمد باشا ماهر وعلى باشا ماهر) والعائلة «الأباظية» وعائلة «عبيد» (نسبة إلى مكرم باشا عبيد)، ومن عرق (والعرق فى هذه الحالة غير دساس) بعض وزراء ورؤساء وزارات الستينيات الذين نادوا بالتأميم خرج فى العقدين الأخيرين من يبيع القطاع العام لكل من هب ودب! (راجع أسماء الشجرة العائلية لآل محيى الدين). القانون الثانى الذى يحكم الاستوزار فى أى بلد منهار، هو الانتماء إلى شلة يقفز أحد أفرادها إلى المقعد الأكبر (مقعد رئيس الوزراء) أو أحد المواقع الوزارية الرفيعة فيسارع إلى «لم» شلته وإجلاسهم على مقاعد الوزارة. والأمثلة على ذلك عديدة أبرزها وزارة المرحوم الدكتور عاطف صدقى التى أطلق عليها «وزارة نادى باريس» فى إشارة إلى تلك الشلة التى تكونت برعاية الدكتور «صدقى»، أثناء وجوده فى باريس، حيث التأمت معه مجموعة من المصريين الذين كانوا يعملون ويدرسون ويفنون (بتشديد النون) هناك، فساقهم حظهم السعيد إلى كراسى السلطة بعد أن منّ الله على راعيهم برئاسة وزراء مصر. وأتصور أن هذا القانون ينطبق على بعض الحالات فى الوزارة الحالية، وسوف يظل فاعلاً فى المستقبل مع اختلاف طبيعة الشِّلل بالطبع، والتحول من نظام «الشلة» التى تتكون فى بعثات علمية أو دبلوماسية وخلافه، إلى «الشلة» الأكاديمية، إلى شلل رجال الأعمال، إلى شلل المهرجين الذين يرضون كبيرهم الذى يمكن أن تخدمه «العشوائية» فى الوصول إلى رئاسة الوزراء . ومن الطبيعى أن من يأتى بالعشوائية لابد أن يختار من يجلس على كرسى الوزارة ب«العمدية» من خلال أفراد شلته بعيداً عن أى معايير موضوعية. نأتى بعد ذلك إلى القانون الثالث والذى يتمثل فى الانتماء إلى دائرة المصالح. فمن يصل إلى مقعد الوزير ينبغى أن يكون من أصحاب المصالح الحقيقية فى البلاد (على حد تعبير أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد). ومفهوم « المصالح الحقيقية « يختلف من فترة زمنية إلى أخرى . فأصحاب المصالح الحقيقية قبل الثورة كان يقصد بهم ملاك الأراضى الزراعية أو الإقطاعيون الذين كان يأتى على رأسهم الملك نفسه، أما بعد قيام الثورة فقد اختلف الأمر، حين تبدل وتغير أصحاب المصالح على مدار الجمهوريات الثلاث حتى وصلنا إلى الأيام التى نعيشها، فتحددت دائرة أصحاب المصالح الحقيقية فى رجال الأعمال، لكن ذلك لا يمنع أيضاً من وجود دوائر أخرى للمصالح لها عناصرها القادرة والنافذة على إملاء ما تريد على الواقع، وأقصد بهم تحديداً هذه الدائرة التى تجمع عدداً من أصحاب النفوذ الذين يهوون لعبة السلطة أكثر من لعبة المال!. تلك هى القوانين الثلاثة التى تحكم اختيار الوزراء فى مصر، وعلى كل مشتاق أن يحدد موقفه من كل قانون من هذه القوانين الثلاثة، فإما أن يطمئن بعد المراجعة أو يجد أن الأكرم له أن «يدفن» تطلعاته فى نفسه قبل أن «يدفنه» الشوق!. [email protected]