من الواضح ان ما حققه عمرو سعد من نجاح سينمائى خلال العامين الماضيين كان كافيا من وجهة نظر منتجى الأعمال التليفزيونية لمنحه البطولة المطلقة وتتويجه دراميا فى «مملكة الجبل» وتحميله مسئولية مسلسل من نوعية الدراما الصعيدية التى تحمل نوعا من الخصوصية لدى المشاهد المصرى. عمرو سعد الذى يمثل تجربة فريدة بين أبناء جيله عاش مرحلة من السعى وإثبات الذات على مدى سنوات حتى صنعت من أعماله السينمائية فى وقت قصير واحدا من النجوم المدعومين بتشجيع البسطاء من الجمهور وهو ما فطن له عمرو مبكرا فبعد أن حكى عن العشوائيات والأحياء الفقيرة فى السينما استطاع أن يجمع حوله جمهور البسطاء فى الشارع المصرى وجلس طوال الأيام الماضية يحكى لهم حكاية الريس مناع ويشوقهم بمغامراته وصراعاته مع تجار الحشيش وأهل النجع والخواجات ويصنع بطلا جديدا للدراما الصعيدية. وهو فى هذا الحوار يكشف ملامح التجربة. قال عمرو: بصراحة ترددت كثيرا فى اتخاذ خطوة تجاه العمل فى التليفزيون حتى بعد ان وقعت العقد وتسلمت مقدم التعاقد، تراجعت وكنت خائفا جدا من المسلسلات وذلك لعدة أسباب أهمها أننى كنت أخشى مواجهة هذه الملايين التى تشاهد التليفزيون يوميا وبانتظام فى رمضان سواء فى مصر أو فى الوطن العربى، وثانيا أن بعض المنتجين حذرونى من خطوة التليفزيون وانه قد يضر بموقعى فى السينما ويؤثر على علاقتى بالجمهور لأن الأعمال التليفزيونية تذاع طول العام وتحدث حالة من التشبع لدى المشاهد ولكننى حسمت الأمر وقررت أن آخذ الخطوة وأن أضع نفسى أمام مشاهدى التليفزيون وأبذل قصارى جهدى وإن قبلنى الناس فأكون كسبت وإن لم يقبلونى فأكون قد خضت التجربة واختبرت نفسى مع الجمهور وعشت المغامرة والحمد لله هذا المسلسل أثبت لى فشل نظرية حرق الممثل لأنه قربنى أكثر للجمهور وأشعر بأنه سيفيدنى كثيرا ويزيد من جمهورى. والواقع أننا عانينا من مشاكل إنتاجية بين المخرج والجهات المنتجة لأن المخرج مجدى أحمد على تمسك بأن يخرج المسلسل بمستوى محترم وهم استجابوا لمعظم طلباته فى النهاية. ماذا وجدت فى «مملكة الجبل» دفعك لخوض المغامرة؟ كانت هناك مشروعات أخرى يمكن أدخل بها تجربة الدراما الرمضانية ولكن لفت انتباهى فى هذا المسلسل بساطة الحكى وخصوصا اننى قررت ان أذهب إلى التليفزيون بدون «فذلكة» لأن جمهور التليفزيون يشمل فئات أوسع من الفلاحين البسطاء والصعايدة والمتعلمين وغير المتعلمين وربات البيوت ليس مثل السينما، لذلك كان بحثى عن عمل أحداثه أهم من أبعاده وبدون فلسفة. ووجدت أن المسلسل يعكس صورة واقعية للصعيدى فى 2010 أى أن الصعيدى اللى يعيش فى صعيد مصر سيرى نفسه بين شخوص مملكة الجبل لأن الصعايدة بشكل عام وأنا واحد منهم يستغربون انفسهم فى الدراما التى كانت تقدم طوال السنوات الماضية ولم يتم التعبير عنهم بشكل حقيقى فقد تغيرت التركيبة السكانية والنشاط الاقتصادى كل شىء تغير. ولأن الصعيدى إنسان مثقف وحساس جدا فلا يمكن اختزاله فى مجموعة من المفاهيم القديمة.. يكفى أن أقول لك مثلا انه أثناء وجودى فى الصعيد ناقشنى أحد البسطاء فى انه يقترح ان تكون هناك جائزة للتمثيل تشبه الجولدن جلوب ونطقها باللهجة الصعيدية على ان يسلمها المحافظ وانا سعيت فى مملكة الجبل لتقديم الصعيدى المودرن، صعيدى يعيش فى 2010 بعيدا عن الصور السابقة. بالرغم من هذا التعمق، المسلسل متهم بأنه يجافى الواقع ولا يعكس صورة حقيقية عن الصعيد وخصوصا فى الحديث عن مجتمع بدون بطاقات شخصية حتى الآن؟ أولا لا يجوز نقد الدراما على أرض الواقع وأنا ضد سحب الشخصيات الدرامية على الواقع أو استدعاء الشخصيات لمقارنتها على أرض الواقع لأن ذلك خطر، فضلا عن ان الدراما فى كثير من الأحيان تزرع فى أذهاننا «ستريو تيبى» أو صورة ذهنية لشخصية نمطية للمحامى أو الطبيب وكذلك للصعيدى وهذه الصورة التى زرعتها الدراما طوال السنوات الماضية ليست حقيقية أو بشكل أدق لم تعد موجودة الآن وكما قلت لك الصعايدة لا يرون انفسهم فيها والأهم اننا لا نقدم عملا تسجيليا عن الصعيد بقدر ما نسلك خطوطا درامية وهنا نحن لسنا مطالبين بمبررات لوجود هذه الخطوط فلو قدمنا عمل خيال علمى هل كنا سنسوق مبررات أحداثه. المسلسل ليس خيالا علميا بل يتحدث عن نجع واقعى وأشخاص بدون هوية أين هؤلاء فى الواقع؟ هذا السؤال عبر عنه المخرج مجدى أحمد على فى بداية التعامل مع المسلسل وكان يخشى ألا يصدق الناس أن هناك أماكن حتى الآن لم يصل لهم الشكل الرسمى للحياة أو أنهم بدون هوية وإذا به يقرأ فى إحدى الصحف القومية عن تقديرات تصل إلى 10 ملايين مصرى يعيشون على أرض مصر بدون هوية أو بطاقة شخصية هنا تبدد لديه هذا التخوف لأنهم موجودون وبالملايين. أخذ على المسلسل أن أبطاله وشخوصه يتحدثون عن المخدرات وكأنها أمر عادى؟ الفرضية الأساسية للمسلسل ان عائلة مناع برجالها ونسائها وأطفالها يزرعون ويتاجرون فى الحشيش وان نشاطها الأساسى قائم على زراعة المخدرات وهو أمر منطقى لهذه العائلة التى تعيش فى حضن الجبل فكيف سيكون حديثهم عن نشاطهم الاقتصادى الأساسى، هيكون فى السر لأن تجارتهم هنا ليست تجارة بمنطق العصابة الخارجة على القانون وانما بمنطق تفرضه عليهم قناعاتهم بأن الآثار حلال وزراعة الحشيش حلال فى حين مثلا انهم يعتبرون الخمور حراما، هذا المنطق الذى تفرضه عليهم ثقافتهم هو ما تنطلق منه الأحداث وتتطور وهنا لابد من مناقشة هذا المنطق. إذن كيف رسمت ملامح مناع وبنيت شخصيته فى خيالك؟ تركيبة مناع تركيبة صعبة جدا وبدأت التفكير فيه بعد قراءة السيناريو وتحليله واكتشفت ان مفتاح الشخصية فى فهم انها مقسومة نصفين، نصف فى النجع وهو الريس مناع المدفوع لتجارة المخدرات بالقصور الذاتى ونصف آخر فى البندر متعلم ورومانسى وهو مناع بيه رجل الأعمال المرشح لمجلس الشعب وهو نموذج للصعيدى المودرن الذى يمسك فى يده «آى فون» ويتعامل مع الكمبيوتر كجزء من ثقافته. هذه التركيبة لشخص ذكى لديه صراع بين الخير والشر فى أغلب الظن انه يتمنى ان ينتصر الخير بداخله. هل أداء مناع فى النجع كان أسهل منه فى شخصيته وهو رجل أعمال؟ لم يكن الأمر متعلقا بالأسهل والأصعب بقدر ماكان هناك تفاعل مع الديكور أو ممثل أو تفصيله فى حركتك فى توجيه المخرج والحالة التى يتم فيها المشهد. وأنا دائما ما أسمح بمساحة من التفاعل بينى وبين الشخصية وأطورها مع الوقت وكلما صورت مشهدا أجد الشخصية تتطور بشكل طبيعى للمشهد الذى يليه. هناك فارق فى التصرفات والقناعات بين الريس مناع ومناع المتعلم قد يصيب المتفرج بالتشتت مثل موقفه من قتل أخته فى الحلقات العشر الأولى؟ مناع شخص ايجابى بشكل عام وسبب انه رفض قتل اخته بعد ان اتهمت بحبها لهمام انه شخص مستنير وذهب إلى الجامعة ويعرف ان الحب ليس خطيئة تستحق الموت وهو شخص ليس دمويا ويبحث دائما عن الأمان لذلك رفض قتل همام أو دياب وقال لأهله لو قتلنا همام أو دياب هنفقد الأمان. وكلمة الموت هنا هى المفتاح وكان هذا الموقف أول اصطدام لمناع بالموت وخاف ان يفقد اخته التى يحبها لذلك ولأول مرة بل قد تكون المرة الوحيدة التى سينزل بها النجع وهو يرتدى القميص والبنطلون ويظهر فى زى غير زيه فى النجع لانه هنا ذهب بشخصية مناع المتعلم المستنير الذى ذهب إلى الجامعة وتفهم شكل العلاقات الإنسانية وتصدى لمهمة انقاذ اخته من غضب والده وسطوة العادات التى تسيطر على النجع. هناك مبالغة فى الحنان الذى يمنحه مناع لكل من حوله وتقبيله ليد زوجته وتعامله مع أخته وأمه بشكل لا يتفق مع قسوته كتاجر مخدرات أو رجل أعمال؟ المبالغة سببها ان المخرج والمؤلف يرغبان فى أن يتم التعامل مع المرأة طوال المسلسل بشكل متحضر ورغب فى أن يؤكد عليه ويمرره بنعومة واعتبر ذلك إحدى رسائله فى المسلسل وان كنت أختلف معه فى الطريقة التى قدمت بها لأنها ليست واقعية بالشكل الكافى إلا أننى ملتزم برؤية المخرج. بمناسبة رسائل المسلسل هناك حالة من العداء للحزب الوطنى واضحة فى المسلسل؟ ليس عداء ولكنه تخوف مناع من الظهور بشكل كامل فى النور وان يصنع مشروعية كاملة لنفسه فى النشاط السياسى وفى الحزب لأنه يشعر بأن ذلك قد يكون طريق نهايته إذا تورط فى هذا الاتجاه ويصدق نفسه فقد يتخلى عن حذره ويقع فى المهالك ويبدأ من حوله فى السؤال عن أصله وأهله. ولكن هناك انتقادا مقصودا للحزب وليس مجرد تخوف كما تقول؟ بالفعل هناك محاولة لإبراز حجم الفساد السياسى الذى يجعل من الحزب راعيا رسميا لخبير قد يكون إسرائيليا أو أى جنسية أخرى ولا يدققون فى نواياه وأبحاثه أو المشروعات التى يقيمها ويسمحون له ببناء مصنع سماد قد يسرطن الأرض ويتسبب فى كوارث. هناك أيضا غرابة فى شكل علاقة مناع برئيس الحزب، فهم من يسعون لمناع وليس العكس، لماذا؟ لأننا نلفت الانتباه إلى أن الحزب قد يسعى لضم أشخاص محبوبين أو معروفين أو أثرياء دون ان يسأل أو يهتم بمصدر ثروتهم وأهدافهم المهم هو يصدّرهم فى الواجهة ومناع عبر عن رأيه فى رئيس الحزب عندما قال له «أنت بتجرى على مصلحة الحزب زى المرة اللى بتجرى على يتامى» فى وصف لمساعى رئيس الحزب فى الحصول على تبرعات لعمل الخير ومصلحة الحزب. قلت لى ذات مرة إن النجوم الآن أصبحوا شغالين تحت أمر الإعلانات، لماذا؟ لأن هذه حقيقة النجوم وكل الممثلين الآن يعملون تحت أمر الإعلانات زمان كان المؤلفون الكبار يعترضون إذا قطع المسلسل لأى سبب، الآن الأعمال التليفزيونية التى كانت تنتج لخدمة المجتمع أو الترفيه عنه أصبحت مجرد وسائل للدعاية. زمان كان كل شىء يسخر لخدمة العمل الدرامى فكانت الدراما هى البطل، الآن لم يعد الأمر كذلك، الدراما الآن أصبحت فى خدمة الإعلانات بل أصبحت كل العناصر فى خدمة الإعلانات ولم تعد الأعمال التليفزيونية تفرخ نجوما كما كانت فى أيام ليالى الحلمية والشهد والدموع أى أن الدراما التليفزيونية تستغل قدرة النجوم الحاليين على جذب الإعلانات. هل تعتقد ان حصولك على بطولة مطلقة فى مملكة الجبل تطور طبيعى لنجوميتك أم استغلال لها؟ أعتقد أننى لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال بشكل كامل لأن له أطرافا أخرى ولكن فى وجهة نظرى ان المنتجين لا يفكرون فى موضوع التطور الطبيعى لوجود الممثل لأننى موجود من زمان ولم أمنح أى فرصة وخصوصا ان النجاح فى مصر ليس تراكميا، ممكن تعمل عشرة أعمال ولا يشعر بك أحد ولا تتقدم وفى عمل واحد تصبح أنجح واحد وتتغير حياتك. الموضوع انه عندما يصبح للممثل وجود ويكون لديه جزء من الجمهور يبدأ المنتجون فى التفكير فيه بحثا عن جمهوره وبالتالى عندما تصل لعمل يدفع الجمهور لاختيارك عندها سيختارك المنتجون ويمنحونك بطولات وفرصا. أنت متهم خلال الفترة الماضية بمهاجمة رموز وفنانين كبار أمثال عمر الشريف وحسين فهمى وأحمد زكى وخصوصا بعد حلقتك فى برنامج طونى خليفة، ما ردك؟ أعتقد أن لقائى ب«الشروق» فرصة لأوضح موقفى بشكل مفصل من هذه الاتهامات الباطلة. وفى البداية أقول اننى احترم كل الرموز الفنية وأقدر تاريخهم والنجاح الذى حققوه واننى تعلمت منهم وكانوا بمثابة الأساس الذى أبنى عليه أنا وجيلى والأجيال القادمة، ووصفى لهم بأنهم تاريخ ليس نفيا لهم وليس سبة لأننى اتمنى ان أكون تاريخا فى يوم من الأيام وبالتالى أنا تحدثت عن انهم هدف يتمنى أى ممثل أن يصل إلى ما وصلوا إليه كما أنه من حق أى ممثل أن يحلم بأن يحقق أفضل مما حققوا وهذا حلم مشروع دون ان ينقص من شأنهم أو يسىء لهم. ولكنك هاجمت عالمية عمر الشريف؟ لم أهاجم عالمية عمر الشريف فهو نجم عالمى ولست من سيأتى ليقيّم عمر الشريف، عمر الشريف عالمى بدليل انه وصل إلى رأس السينما فى أمريكا، ولكن أنا لدى حلم آخر للعالمية أسمّيه حلم نجيب محفوظ فى ان أصنع فيلما إنسانيا أو كما قال لى مخرج صديقى: العالمية لا تأتى من الإغراق فى المحلية ولكن بالاغراق فى الإنسانية، أنا أحلم بفيلم مصرى إنسانى يصل بى إلى العالمية وهذا لا ينقص من عالمية أو أهمية عمر الشريف فى شىء، أتمنى ان أصنع أفلاما مثل الأفلام الإيرانية والكورية التى وصلت للعالمية. ولكن كلامك فسر على انه تعال على هذا الجيل وخصوصا وانت تقول بأنك تتمنى ان تكون أفضل من أحمد زكى؟ أنا قلت اننى أحلم وقد أنجح وقد أفشل والحلم أمر مشروع وأحمد زكى مثلى الأعلى وبمنطق الأبوة كل أب يحلم بأن يكون ابنه أفضل منه وبالتأكيد ان أحمد زكى كان لديه طموح فى يوم من الأيام ان يكون أفضل من محمود المليجى وهذا لا يسىء لأحد منهما، إذن لماذا نخاف من الحلم ونجرم من يجرؤ ان يصرح بأن يكون أفضل وذلك يحمل ضمنيا ان هذا الجيل هو الحد الأقصى لما يمكن إنجازه وإن تجاوز ما قدموه هو حلم وطموح مشروع لدى أحد أبناء جيل الشباب. بل أقول إننى أنبهر أمام هذا الجيل الذى كان فيه نور الشريف وأحمد زكى ومحمود عبدالعزيز وعادل إمام وحسين فهمى وأشعر بالعجز أمامهم ولكن الإعلام يتعامل معى بقسوة تضع تصريحاتى فى اتجاه غير معاكس. هل تعتقد أن الإعلام يظلمك ولذلك اعتبرت ان معظم معارضيك من الإعلاميين؟ لا أتحدث عن ظلم بقدر ما أتحدث عن قسوة هذه الأزمة المفتعلة حول آرائى فى النجوم الكبار والتى كانت بسبب تسرع فى تحليل آرائى وتحريف تصريحاتى.