لماذا انقلب أنس الفقى؟

عندما تكلم أنس الفقى، وزير الإعلام، فى «البيت بيتك» قبل شهور، قال إن الإعلام الخاص جزء أصيل من الإعلام إجمالاً فى البلد، وأنه يتحمس له، ويشجعه، ويسانده.. وكان كلاماً ممتازاً فى حينه، وكان أيضاً موضع إشادة منى فى ذلك الوقت!
ولكن.. يعود الوزير، اليوم، ليفعل عكس ما كان قد قاله على طول الخط، حين قرر مؤخراً حرمان القنوات الخاصة من نقل مباراة مصر مع الجزائر، وقرر أن يحتكرها لحساب تليفزيون الدولة وحده تاركاً للقنوات الخاصة خياراً وحيداً هو ضرب الرأس فى الحائط!
ولا أحد يعرف، ما هو السبب الذى جعل الوزير الفقى ينقلب 180 درجة هكذا، فى أقل من عام، فيشجع الإعلام الخاص فى أول العام، ثم يخذله فى آخره، ويعاقب بقراره مشاهدى هذه القنوات، الذين هم بالملايين، قبل أن يعاقب القنوات نفسها!
وحين قررت قنوات دريم، والحياة، ومودرن سبورت، وقف البث تماماً أثناء المباراة، مساء أمس الأول، كان هذا هو أقل واجب يمكن أن تفعله، وكانت تريد أن يقول لمشاهديها إنهم إذا كانوا قد عجزوا عن متابعة المباراة على قنواتهم الخاصة المفضلة، فإن الذى حرمهم هو الوزير وليس القنوات!
ومع ذلك، فقد حدث فى الولايات المتحدة، الأسبوع الماضى، شىء مشابه تماماً، وأظن أن أصحاب هذه القنوات مدعوون لتأمل ما حدث هناك، ربما يجدون فيه ما يفيد!
فالمعروف أن قناة «فوكس نيوز» تميل إلى الحزب الجمهورى الذى حكم أمريكا من 2000 إلى 2008، برئاسة بوش الابن، وقد دأبت هذه القناة، منذ جاء الحزب الديمقراطى بأوباما إلى البيت الأبيض فى يناير الماضى، على مهاجمة الرئيس الجديد، بعنف وقسوة، متهمة إياه بأنه فشل فى فعل أى شىء!
ويبدو أن هجومها المتواصل كان أكبر من طاقة «أوباما» على التحمل، لدرجة أن البيت الأبيض لما عقد مؤتمراً صحفياً للرئيس، الأسبوع الماضى، امتنع عن دعوة «فوكس نيوز» ثم دعا كل القنوات الأخرى، متصوراً أنه بهذه الطريقة يعاقب تلك القناة المشاغبة، ويرغمها على دخول بيت الطاعة!
وما حدث أن القناة أذاعت على الهواء خبر حرمانها من حضور المؤتمر، واعتبرت من جانبها أن حرمانها إنما هو عقاب لمشاهديها على امتداد الولايات الأمريكية الخمسين، بل وعلى امتداد العالم كله، فما كان من كل القنوات الخاصة الأخرى، دون استثناء، إلا أن قاطعت المؤتمر تماماً، ليس حباً فى «فوكس نيوز» طبعاً، وإنما لأنها تدرك جيداً، أن ما تعرضت له هذه القناة، جمهورية الهوى، يمكن أن تتعرض له أى قناة أخرى، غداً، وبالتالى فالموقف المتعنت من جانب البيت الأبيض كان، منذ البداية، ضد حرية الإعلام الخاص، عموماً، وليس ضد «فوكس نيوز» بعينها!
تراجع البيت الأبيض على الفور، ودعاها مع سائر القنوات، وانتصرت حرية الإعلام، لحساب كل مشاهد، وحقه فى أن يرى ويعرف الحقيقة!
والواقعة فيها درس عميق المعنى، ليس طبعاً للقنوات الخاصة التى احتجبت وقت المباراة، وإنما لسائر القنوات الخاصة التى لم تحتجب، ثم لوزير الإعلام ذاته!