هل مطلوب منا أن نبصم على بياض للسيدين عمرو موسى والبرادعى فى حملتهما المشتركة أو المنفردة للإصلاح السياسى والدستورى فى مصر، حتى نكون ثوريين مقبولين لدى البعض من الأصدقاء، ممن يريدون التغيير أو الإصلاح بأى شكل وبأى وسيلة؟!! أم أن الأمر يحتاج إلى قدر كبير من التروى والحوار الموضوعى، وطرح التساؤلات الجادة، بديلاً عن الصخب الذى لا نسمع ولا نرى فيه غير لغة الصراخ والتخوين، أو الرفض والسخرية؟! فى البداية دعونا نقل إنه لا خلاف من حيث المبدأ حول حاجة مصر إلى الإصلاح بل التغيير نحو الأفضل سياسياً واجتماعياً، بعد أن وصل الحال فيها إلى مرحلة من التردى شديدة الوطأة، ولا خلاف حول أن «أشواق التغيير» فى بلادنا قد لامست جميع طبقات وشرائح هذا الشعب، وباتت مطلباً قومياً واسعاً ومشتركاً. ولكن.. ثمة ثلاثة تساؤلات: عن أى تغيير نتحدث؟ ومن هم المنوط بهم إحداث وقيادة هذا التغيير؟ وهل يصلح أمثال السيدين عمرو موسى والبرادعى، ومن كان مثلهما من نخبتنا الوطنية لقيادة هذا التغيير؟ إن التغيير الذى نقصده، لابد أن يكون شاملاً، وعبر النضال السياسى المشروع وليس النضال الانقلابى، التغيير المطلوب ينبغى ألا يتوقف عند منصب رئيس الدولة أو حتى تغيير الدستور، بل لابد له أن يشمل جميع مناحى الحياة فى هذا الوطن، التعليم، الصحة، الاقتصاد، العلاقات الخارجية، التحالفات الإقليمية، الموقف من العدو الصهيونى والتطبيع معه، التبعية المفرطة للغرب، إعادة تعريف وترتيب أولويات الأمن القومى لمصر داخلياً وخارجياً.. إلخ. إن تغييراً بهذا الاتساع والعمق لا يقدر عليه، بل لا يريده شخص مثل عمرو موسى، فهو فى المحصلة الأخيرة رجل النظام الذى شارك فى وصول الوضع إلى هذا الحد، بل هو الرجل الذى تمت فى عهده سواء فى الخارجية المصرية أو جامعة الدول العربية أكبر عملية تطبيع مع العدو الصهيونى وأكبر تحالفات مع واشنطن، لا تتوقفوا أرجوكم كما يفعل البعض من حسنى النية من مثقفى هذا الزمان كثيراً أمام تصريحاته النارية أو تشاطره وتخشين صوته ووضعه للساق على الساق أمام وسائل الإعلام، فالرجل صباحاً يتطاوس «من الطاووس» أمام الميديا لاعناً إسرائيل والفساد، وفى المساء يتناول العشاء مع أركان النظام ومع شيمون بيريز أو ديفيد سلطان سفير إسرائيل السابق فى مصر، «نرجوكم اقرأوا ما قاله الأخير عن الدور الكبير لعمرو موسى فى التطبيع فى كتابه الصادرة ترجمته قبل أيام عن دار نشر ابن لقمان بالقاهرة». وهذا التغيير الواسع الذى أشرنا إليه لا يقدر عليه ولا يريده رجل مثل البرادعى له موقف معلن ضد عبدالناصر وضد التعليم المجانى وال50% للعمال والفلاحين، وهو بالأساس رجل محسوب على واشنطن بدءاً من دورها فى توليته منصبه الدولى، وانتهاء بخدماته الجليلة لها فى بغداد وطهران، والرجل لا ينكر «وإن كان يتجمل» أن له تاريخاً فى مساندتها عبر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى غزو العراق (عام 2003)، وبالمناسبة توجد عدة دعاوى قضائية مرفوعة ضده فى الموصل بالعراق من مواطنين عراقيين يطالبون بمحاكمته، لأنه تسبب فى غزو وتدمير بلدهم، وأحدثها دعوى قضائية من المواطن العراقى ذى التوجه القومى/ عبد السلام العبيدى أمام محكمة نينوى. والبرادعى الذى لم يعش فى مصر سوى 8 سنوات من عمره (67 عاماً) ومن حصيلة ما قاله منذ ألقى قنبلته للترشح للرئاسة لا يختلف كثيراً عما يقوله آخرون داخل النظام أو خارجه فى الفهم الضيق للإصلاح، الذى لا يرى ثمة علاقة للداخل بالخارج، والرجل حريص تماماً على مغازلة واشنطن وتل أبيب، اللتين كما قال يوماً ما «ثم ندم على ما قاله» د. مصطفى الفقى إن التغيير فى مصر لابد أن يأتى برضائهما، فلماذا نوقع على بياض لرجل هذا حاله؟ وهل مصر عاقر إلى هذا الحد؟! وأين منه أمثال طارق البشرى وسليم العوا ونور فرحات وعبدالله الأشعل وغيرهم من شرفاء هذا الوطن؟ نعم نريد إصلاحاً لكنه أبداً لا ينبغى أن يكون إصلاحاً بروح القطيع «يزمر» أحدهم فنجرى خلفه بل إصلاحاً بروح الأمة الحرة، التى لا تبصم على بياض لمجرد أنها تكره ما هو قائم، وهل كان «تحالف الكراهية» قادراً يوماً على صناعة مستقبل وطن؟! نعم نريد إصلاحاً، ولكن على مذهب طارق البشرى «اقرأوا وثيقته الإصلاحية فى صحيفة الشروق 26/2/2010» لا مذهب البرادعى مع عظيم الاحترام لشخصه!! [email protected]