هوس التوريث

أتمنى أن يخصص أى باحث سياسى بعضاً من وقته ليرصد ما كتبته الصحف وناقشته المحطات التليفزيونية المختلفة حول قضية توريث الحكم فى مصر، كما يستطيع الباحث رصد كم الجلسات الخاصة والعامة التى ناقشت الأمر نفسه على مدى 8 سنوات منذ ظهور جمال مبارك على الساحة السياسية..
ويا حبذا لو رصد الباحث كم المستفيدين من إثارة هذه الظاهرة، سواء من روجوا لها أو الذين هاجموها من المناضلين ونفخوا فى مواجهتها وأصبح لدينا معارضون يكتسبون شعبيتهم من مواجهة موقف واحد فقط لم يتحقق بعد هو توريث الحكم لجمال مبارك، فهؤلاء لم يتركوا فعلاً أو قولاً إلا وبالغوا فى تقيمه لدرجة أن الشعب يعتقد منذ أكثر من 8 سنوات أن جمال مبارك سيتولى حكم مصر غداً.. وفى أحيان أخرى، بعد ساعات أو أنه قد تولى الرئاسة بالفعل..
أصبح كل عمل فى مصر أو حتى الصمت يفسر بأنه ضمن مخطط التوريث، فإذا اختفى جمال مبارك عن الكلام يخرج من يتساءل لماذا؟ وإذا ظهر، تولد حملات تحمل انتقادات عنيفة.. هذا بالإضافة إلى أن بعض هؤلاء يقنعك بأن مؤسسات الدولة وأجهزتها تكرس جهودها لإتمام عملية التوريث بسلام، بينما يذهب البعض الآخر إلى أن هناك خلافا داخل «البيت الرئاسى» حول هذا الأمر..
ولا أعرف من أين يأتون بهذا الكلام رغم أن المنطق والعقل يؤكدان أنه لا يمكن أن يكون هناك حوار بين بعض المسؤولين حول هذا الأمر أو حتى بين الرئيس مبارك ونجله؟!، لكن المؤكد أن الرئيس نفسه قد نفى هذا الأمر أكثر من مرة وأكده بوضوح وصراحة فى مجلس الشعب منذ عامين حينما قال «سأظل أتحمل المسؤولية طالما فى الصدر قلب ينبض.. ونفس يتردد»، لكن المستفيدين لا يصدقون ويصرون على إغراق الشعب فى الوهم تحت دعوى النضال والمعارضة.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. قبل الانتخابات الرئاسية عام 2005، بفترة كبيرة ظهرت أصوات تؤكد أن جمال مبارك سيكون مرشحا للرئاسة.. وعندما ترشح الرئيس مبارك خفتت الأصوات لكنها عادت مرة أخرى لتؤكد أن «مبارك» سيتنازل لنجله.. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية عادت النغمة مرة أخرى حتى حسمها د. على الدين هلال فى حواره مع الزميل طارق الشامى بقناة الحرة.. بأن مبارك هو مرشح الحزب الوطنى.. فخرج المناضلون ليؤكدوا أنهم أجهضوا «مخطط التوريث»..
ونسوا أنهم أنفسهم مَن روجوا على مدى سنوات أن جمال سيتولى وزارة الشباب أو رئاسة الحكومة أو موقع الأمين العام للحزب الوطنى وغيرها، بل إن إحدى الصحف نشرت العام الماضى خبراً عن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وأن الهيئة العليا للحزب الوطنى ستجتمع خلال أيام لتسمية جمال مبارك مرشحاً للرئاسة.. ومرت أسابيع وشهور ولم يحدث ذلك.
أجريت حوارا مع د. محمد كمال، العضو البارز فى أمانة السياسات بالحزب الوطنى، نشر ب«المصرى اليوم» فى 13 أكتوبر 2004 أى منذ 6 سنوات كان عنوانه الرئيسى: «ما يتردد حول توريث السلطة نوع من الهوس».. ومع ذلك مازال البعض يمارس هذا الأمر لدرجة الزهق..
فقد غابت القضايا المصيرية حول مستقبل البلد مثل التعليم والصحة والبحث العلمى وغيرها وتقزمت.. ولو نالت هذه القضايا مناقشات واهتمامات على مدى السنوات الماضية كما حدث فى ظاهرة التوريث لتغيرت الحياة فى مصر تماماً، لكن المستفيدين من الطرفين سيتمسكون بتحقيق مكاسبهم فسيخرة من يقول بأن تصريحات د. هلال خدمة وأن جمال مبارك سيكون مرشحا للرئاسة عام 1102