«لا يحس بالمصيبة إلا مَنْ ابتلى بها».. شعرت بمدى صدق هذه العبارة عندما استمعت إلى عذاب أهل الطفل المصاب بالهيموفيليا أو الثلاسيميا، فالمرض الأول الناتج عن نقص معامل التجلط يخلق طفلاً محاطاً بالتحذيرات والمحظورات، ممنوعاً من اللعب أو الجرى أو حتى الحركة حتى لا تنفتح نافورة النزيف، يعيش فى صوبة من الممنوعات التى تغتال طفولته البريئة، أما الثلاسيميا فهو فقر دم مزمن يحتاج إلى نقل دم مزمن، طفل ملامحه غريبة ووجهه شاحب وعظامه واهنة، ينتظره - إن لم يعالج جيداً من تراكم الحديد فى جسمه - تليف الكبد وأمراض القلب والسكر والعقم.. إنه طفل بائس لأسرة أكثر بؤساً، ولكن المدهش أن العلاج متاح وموجود، وبعد أن كان طفل الثلاسيميا يموت فى سن العاشرة أصبح الآن يعيش عيشة طبيعية جداً لكن بشرط أن يكفله مجتمع ناهض مثقف طبياً ولديه وعى صحى بأهمية حماية هؤلاء الأطفال من هذا المصير المؤلم. حكى لى د. محسن الألفى، أستاذ طب الأطفال وأمراض الدم، عما تفعله وحدة أمراض الدم بطب عين شمس من خدمات عظيمة ورائعة لهؤلاء الأطفال، وحكى لى عن أهل الخير الذين ينتظر منهم المزيد لإنقاذ هذه الزهور البريئة الجميلة من الذبول المبكر، الطفل يتكلف حوالى 100 ألف جنيه سنوياً ولا تستطيع الجامعة تحمّل مثل هذه التكلفة الباهظة التى تحتاج لتكاتف الجميع، والأرقام تقول: كل عام يضاف حوالى 1500 مولود مصاب بأنيميا البحر المتوسط العظمى إلى أكثر من 30000 مريض يستهلكون أكثر من ربع مليون وحدة دم، أى أكثر من 25% من مخزون الدم فى مصر. سألت د. محسن الألفى عن الحل فأجاب: تشريع حازم لفحص وتحاليل ما قبل الزواج، فقد سبقتنا دول كثيرة مثل قبرص وإيطاليا واليونان، التى بدأت منذ عام 1983 مشروع خفض إنجاب مواليد مصابين بالثلاسيميا من خلال برنامج متكامل لتحليل ما قبل الزواج، لأن زواج طرفين من حاملى جينات الثلاسيميا يعنى فرصة 25% إنجاب طفل مصاب أما زواج طرف مصاب بآخر سليم فيعنى فرصة 100% إنجاب طفل سليم أو حامل للمرض دون إصابة، وأشار إلى أن مصر بدأت تطبيق فكرة هذا المشروع فى نهاية الثمانينيات ولكنها لم تطبقه بالكامل، ومازال غير مفعل ويتحايل عليه المأذون رغم أن دولاً عربية وإسلامية مثل السعودية والأردن وفلسطين ولبنان وتونس بدأت فى تطبيق تشريعات تلزم بإجراء تحاليل للطرفين، وتشمل صورة دم كاملة + «فصل كهربائى» للهيموجلوبين. ومن ضمن المناقشات المهمة التى لابد أن تحسم على المستوى الدينى مناقشة هل يُجهَض الجنين المصاب بالثلاسيميا أم لا؟ وهل حماية المجتمع والأسرة لا تجيز هذا الإجهاض مثلما أجيز لحماية الأم فى أحوال أخرى؟ أعتقد أننا مطالبون على المستويات كافة بإنقاذ هؤلاء الأطفال وعائلاتهم من عذاب مزمن لمرض مزمن.