تصوراتى عن الجنة أنها - ببساطة - ذلك المكان الذى تنمو فيه شجرات المانجو بكثرة وتستطيع أن تأكل منها بغير حساب. حينما كنت طفلا - وأظننى مازلت كذلك! - كنت قد نويت أن أقيم بصفة نهائية فى الهند، بمجرد أن أكبر وأستقل بحياتى. ولم يكن ذلك طبعا من أجل سحر التاريخ وإنما من أجل المانجو الهندى، الذى كان ينقلنى إلى آفاق سماوية. لم أكن أعرف وقتها المانجو «العويسى الفص»، ومع أننى مازلت أجهل السيد «عويس»، الذى سموا المانجو على اسمه، فإننى أرفع له القبعة وأهديه تحياتى. والآن بعد أن كبرت حددت لنفسى هدفا وحيدا طيلة موسم المانجو، وهو أن آكل أكبر كمية ممكنة منه، حتى تلوثت بلونه الذهبى دمائى وجميع ثيابى. ولقد سبق لى أن كتبت عن المانجو ملاحم، وبلغ من فرط هيامى بها أن كتبت مقالا (رومانسيا) أقارن فيه بين المانجو والنساء، وانتصرت طبعا للمانجو!. وبرغم أن الأمر لم يكن أكثر من دعابة، فإننى لا أجرؤ على نشره هنا، لأنه أثار غضب السيدات المتحسسات لحقوق المرأة، وأنا لن أغامر بخسارة قارئاتى. ولكى تعلموا أننى لست مجنون المانجو الوحيد، فإننى سأحكى لكم عن ذلك الأستاذ الألمانى الذى تغيرت حياته كليا منذ أن عرف المانجو. هو أستاذ صديقى، الذى كان يدرس الدكتوراة فى ألمانيا، وهو رجل لطيف فعلا: بمجرد قدومه لمصر سأل صديقى عن المكان الذى يبيعون فيه «بدل الرقص الشرقى»، لأن ابنته طلبت واحدة! المهم أعدّ له صديقى برنامجا حافلا وهنا بدأت علاقته (الدرامية) بالمانجو. حينما ذاق المانجو «العويسى الفص» فقد عقله وجنّ تماما، يقول صديقى إنه - طيلة المتبقى من أيام إقامته - لم يعد يأكل غير المانجو. وبينما كان يودعه فى المطار طلب منه - ودموعه تسبقه - أن يحضر معه فى الزيارة المقبلة أكبر كمية ممكنة. حينما سألتُ صديقى مندهشا ألا توجد مانجو بألمانيا؟، قال إنها سيئة، وطعمها مر، وتأتى من أمريكا الجنوبية. وحين أبديت دهشتى من عدم تصديرنا لها، قال ضاحكا إنها ستغزو قلوب الألمان وتصبح (القوة الناعمة) لمصر مع آثار الفراعنةّ. نعود للقصة: حين وصل صديقى ألمانيا، وبرغم أن الألمان ينامون مبكرا فإنه بمجرد دخوله البيت - فى العاشرة مساء - فوجئ بأستاذه يتصل به تليفونيا ليطمئن على حضور المانجو، فقال صديقى باسما إنه سيحضرها له فى الصباح التالى. لكن الأستاذ لم يطق صبرا وإذا بجرس الباب يدق فى منتصف الليل، وهو شىء نادر الحدوث هناك، فتح صديقى الباب فوجد أستاذه الوقور واقفا أمام الباب وعينيه زائغتين وكأنه مدمن (بانجو)!! فى الصباح التالى وجده فى نشوة صوفية. وعرف أيضا أن (النداهة) ندهت ابنته حين أكلت واحدة.. فُأغمى عليها. ما رأيكم أن نُنشئ رابطة لعشاق المانجو؟