تلبية لدعوة د.عمرو موسى بأن أقف محاضراً لساعتين أمام المؤتمر السنوى للإدارة العليا المنعقد بالإسكندرية التى أجهلها.. خرجت من المعادى فى السابعة صباحاً لأنحشر فى زحام المرور ساعة ونصفا جعلتنى مع من حولى نلعن المسؤول الذى «خطط» هذه الوصلة الرابطة بين المنيب والطريق الصحراوى بهذه العشوائية ليخنق الدائرى قبل مخرج الهرم والصحراوى، الذى افتتحه رئيس الدولة منذ عام، وذهب مصدقاً أنهم أنجزوا وربما منحهم نياشين، ليبدأوا الآن محاولات إصلاح ما أفسدوه بعمل توسعات جانبية، ومنازل إضافية أمام المتحف الكبير عند الأهرامات التى لو عاد من شيدوها ليروا فساد وجهل وعشوائية أحفادهم لتبرأوا منهم إلى يوم الدين! استعدنا الأمل مع بداية «الهاى واى» البادئ من البوابات بمواصفات قياسية عالمية للطرق الحرة التى سبقتنا فيها دول كانت أكثر تخلفاً وفقراً، لكن الحمد لله أننا بدأنا فى التفكير بفتح شرايين عرضية بين الصحراوى أمام مدخل 6 أكتوبر وكوبرى إمبابة عند الكيلو 39، وبين مدينة السادات وطريق السويسوالقاهرةالجديدة ثم الفيوم حتى الواسطى ببنى سويف مما يسمى بالدائرى الإقليمى الذى سيربط ست محافظات بعيداً عن دخول العاصمة. أمام مدينة السادات تمصمص شفتيك على «المشروع» الذى أنفقنا عليه ملايين منذ 32 عاماً لتصبح «السادات» عاصمة إدارية للمحروسة للتخفيف عن القاهرة كما خطط لها الراحل أنور السادات الذى دفنوا مشروعه مع جثته، كعادة بذيئة عند كل من حكموا مصر فى طمس وشطب كل إنجازات من سبقوهم! وصلت المؤتمر متأخراً بعد كلمة الافتتاح، وسبقنى الخبير العسكرى اللواء أحمد عبدالحليم، وأستاذنا المحترم الدكتور على السلمى، وبلدياتى مدير تحرير الأهرام عبدالعظيم حماد، لأبدأ واقفاً أمام خريطة القطر المصرى، وجمع غفير من عقول مصر المهتمين بقضية «الإدارة»، أتحدث عن «الفرص» الهائلة لاستثمار بعض من ال94٪ الجرداء من مساحة مصر «المخنوقة» التى لو أجرنا واحداً على عشرين منها إلى أبناء عمومتنا لخلقوا منها «جنة عدن»! عرضت بعض «أفكارى» لأوليات التنمية فى ظل المتغيرات الدولية، وطبقاً للميزات والمميزات والإمكانيات والموارد الهائلة التى خصنا بها المولى وأهملناها بعد أن استسهلنا البكاء على اللبن المسكوب، واستمرأنا تعليق خيبتنا على إسرائيل وأمريكا والحكومة لنبرئ أنفسنا من المسؤولية، وكأننا شعب عاجز بلا إرادة.. وحاولت قدر استطاعتى تحفيز وتحميس واستثارة وإثارة الحاضرين، رغم حالة «الإحباط» وفقدان الأمل فى الإصلاح التى سيطرت على مداخلاتهم معى.. وبعد تسعين دقيقة من الحوار صممت فيها، وركزت على إيصال رسالة محددة خلاصتها: أولاً: أننا نحن المسؤولون عما جرى لنا، وليس النظام والحكومة وحدهما، وأقصد ب«نحن».. كل قادة الفكر، وأصحاب الرأى، وجميع النشطاء والمثقفين فى الجامعات والنقابات والصحافة والإعلام، والمؤسسات الدينية، والهيئات العلمية ومراكز البحث، والأحزاب الهلامية، وأثرياء المرحلة الفاقدين للحس الوطنى! ثانياً: أنه لا شىء فى الحياة بدون ثمن.. وعلينا كشعب أن ندفع الثمن إذا كنا نريد فعلاً ديمقراطية حقيقية، وتقدماً بنهضة فعلية والثمن هو: تنظيم النسل- وزيادة الإنتاج- والضغط المستمر على هذا النظام المتجلط من أجل الإصلاح. تركت المنصة ليستكمل د.حسام بدراوى ثم د.مفيد شهاب، وليلتف حولى جمع غفير، «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت».. كل واحد يحاول أن يحكى لى عن «مصيبة» شخصية نتيجة للنظام الإدارى المتعفن، أو بسبب المركزية العتيقة، وكل منهم يحاول أن يثبت أنه ضحية ومظلوم وبلا حيلة أمام جبروت السلطة.. وخلصت من هذا اللقاء إلى أننا شعب بائس.. شعب تائه.. شعب محبط، وفاقد للأمل.. شعب أدمن أن يظل مفعولاً به أسهل وأرخص من أن يكون فاعلاً!.. ولكنه فى الوقت نفسه شعب لديه طاقة كامنة بلا حدود شعب جاهز ومتأهب ومستعد للعبور إلى النهضة الشاملة إذا وجد من يثق به ويقوده لها كما حدث فى 73. الحمد لله أننى كنت على موعد آخر مع أجانب مملوئين بالحماس والأمل.. ضيف شرف على غداء عمل مع قناصل عموم الصين- تركيا- تونس- ليبيا- أمريكا- روسيا- لبنان- وفرنسا.. الذى بدأت الحديث معه منتقداً ما يفعله زملاؤه بالقنصلية الفرنسية بالقاهرة من تعسف مع المصريين فى التأشيرات، واستخدمت حقى كمواطن فرنسى لديه كامل الحرية لانتقاد السياسة الفرنسية عموماً، و«عجرفة» التعامل مع أبناء وطنى مصر خصوصاً ووعدنى بالحديث مع رؤسائه فى الخارجية الفرنسية.. وعن يمينى كان عميد السلك الدبلومسى بالإسكندرية السفير نضال يحيى، قنصل عام لبنان بحكم أنه الأقدم «خمس سنين»، وبعد أن اكتشفنا أن له شقيقين مقيمين بباريس ومن أصدقائى القدامى ابتعدنا عن الكلام الدبلوماسى المحسوب ليفضفض لى عما يراه «وليس للنشر».. وأيضاً ما يحبه ويجعله سعيداً بحياته مع عائلته فى هذه المدينة، ليؤكد كلامه باقى الموجودين.. الذين قالوا بالحرف الواحد: إنهم سعداء جداً بالعيش فى هذه المدينة الجميلة والنظيفة، والغنية بمراكزها الثقافية، وأكاديمياتها المتنوعة، وكورنيشها الواسع وابتسامة الإسكندرانية المنفتحين على كل الثقافات و.. و.. إلخ. ساعتان وجميعهم يتبارى بالغزل والإطراء بعروس البحر الأبيض المتوسط وكرم ضيافة أهلها.. ثم أجمعوا أخيراً على أننا دولة «بلا سيستم».. ولهذا ينجح فيها بعض الأشخاص أمثال «المحافظ عادل لبيب» الذى يعرفون تجربته المميزة فى محافظة قنا.. وعندما اكتشفوا جهلى بما يحدث بالإسكندرية من تطور وتنمية.. أسهبوا فى الحديث عن «المولات» التى أنشأها المحافظ تحت الأرض.. وعن الطفرة التى أحدثها بالعجمى والتى أعادت الوجه الحضارى لهذه المنطقة.. وعن محطة سكة حديد القبارى، والحدائق التى بدأت تنتشر فى كل مكان، حتى عن قراره بمنع التدخين لتصبح مدينة صديقة للبيئة و.. و.. و.. من نجاحات حققها هذا المحافظ الذى يجب أن نرفع له القبعة مثلما فعلها الأجانب المقيمون بالإسكندرية.. وخلال 3 ساعات تجولت بمفردى لأتحقق بنفسى من كل هذه الإنجازات التى تجعلك فخوراً بمدينة عالمية حقيقية على أرض مصرية. عدت إلى القاهرة بجرعة «أمل» وسط كل هذا الهباب الذى نراه! بعيداً عن السياسة: كلما استمعت إلى حديث للسيدة جيهان السادات ازداد تقديرى وإجلالى واحترامى لها.. وترحمت على الراحل العظيم أنور السادات.. فشكراً لصديقنا عمرو الليثى الإعلامى المتميز والمتألق دائماً. [email protected]