حكومتنا لها «معزة» تتمتع بقدرة على السحر لا يباريها فيها أحد، ولا حتى «معزة» النيجر، التى يزعم شيوخ منتخبنا القومى وإداريوه أن السحرة استخدموها من أجل هزيمته فى مباراته الأخيرة فى تصفيات الأمم الأفريقية!. ربما يكون سر هذه «المعزة» كامناً فى ذلك الوصف الذى نستخدمه عندما نتحدث عن حكومتنا «الرشيدة». ورشيدة – لمن لا يعلم – هو اسم أشهر «معزة» يعرفها المصريون جيداً، وهى «معزة» بكار التى رافقته فى جميع مغامراته فى المسلسل الكارتونى الذى أبدعته الراحلة منى أبوالنصر، فالحكومة تريد الخير كل الخير لشعبها، لكن المشكة دائماً ما ترتبط ب«المعزة» التى تسحر لها فتضع «العكوسات» فى طريق سعيها المشكور، وتقلب جهودها الخيرة إلى شر مستطير. والسحر ببساطة يعنى القدرة على قلب الحقائق، ودفع الفرد إلى تصور وتخيل أشياء غير موجودة فى الواقع أصلاً من خلال التأثير النفسى وخداع العقل والنظر. وفى الحالة التى يخضع فيها الإنسان للسحر فإنه يمكن أن يرى الأشياء على غير حقيقتها، وأتصور أن هذا هو المعنى الذى ورد به السحر فى القرآن الكريم، حين وصف الله تعالى موقف موسى من سحرة فرعون لحظة أن ألقوا حبالهم وعصيهم فتخيل موسى – ولم يكن هذا واقعاً – أنها تسعى شأنها فى ذلك شأن الثعابين «قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى». ففى حالة السحر تختلط الأمور وتنقلب الحقائق، وتتبدل المعانى، فيظن الإنسان الحبل ثعباناً، والسلحفاة تطير بأجنحة فى السماء، ولحم العجول يتحول إلى ذهب، والثعلب يرتدى ثوب الوعاظ!. ومن يطالع استعدادات حكومة الحزب الوطنى للتجهيز لانتخابات مجلس الشعب القادمة يعرف كيف تتدخل «المعزة» لتحيل جهود مسؤوليه إلى أعمال سحر وشغل حواة!. فقد أكد الحزب رفضه الكامل لأى تدخل أجنبى فى الشؤون الداخلية لمصر أياً كان مصدره وشكله، وذلك بمناسبة تصريحات مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية بشأن الرقابة على الانتخابات البرلمانية المقبلة. فالحزب الوطنى يصر على أن الرقابة الدولية على الانتخابات «خيانة»، وترد عليه المعارضة – ساخرة - بأن تزويرها هو «الوطنية» إذن!. أليس هذا سحراً؟ أن تتدخل «المعزة» لتضطر الحكومة إلى الاجتهاد فى إقناع الشعب بأن «الحبل» الذى تريد المعارضة أن تقيد به سعى الحزب الوطنى إلى تزوير الانتخابات القادمة هو «ثعبان مبين»!. ويدعو الحزب الوطنى المواطنين للمشاركة فى الانتخابات وينفق من المال الكثير – فى حملات إعلامية وخلافه – لحثهم على الذهاب إلى اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم، لكن المواطن «اللى ما بيسمعش الكلام» لا يسمع له خوفاً من الفتوات المصطفِّين حول اللجان، وحتى إذا نجح وعبر هذه الحصون المنيعة فإن المعارضة تقول له إن صوته سوف يزور، وهنا يسرع الإعلام الحكومى فى تكرار نداءاته للمواطن المصرى القاطن فى أى مكان، حتى ولو كان «دير النحاس» بأن يذهب ويشارك، ويقدم له نماذج لمواطنين مثله يظهرون فى لقاءات يؤكدون فيها أن الناخب الحق يستطيع أن يعبر السدود ويحطم القيود ويطير إلى صناديق الانتخابات ليدلى بصوته فيها، ثم يظل محلقاً فوقها حتى تصل إلى مواقع فرز الأصوات ليقوم بدوره فى حمايتها من أى عمليات تزوير لأنه الضمانة الوحيدة لنزاهتها وليس الرقابة الدولية عليها.. أليس هذا سحراً؟ أن تتدخل المعزة لتمنع المواطن من أن يحلق بأجنحة فى السماء ليحمى اختياره الانتخابى، بزعم أن المعارضة تؤكد أن الحكومة حولته إلى «سلحفاة» تزحف على بطنها عاجزة عن الطيران!. ورغم أن اللجنة العليا للانتخابات حددت سقف الإنفاق على الدعاية لكل مرشح للمجلس الموقر ب200 ألف جنيه، إذ بنا نسمع أن الحزب الوطنى ألغى نتائج الانتخابات الداخلية التى جرت فى عدد من المحافظات بسبب الإسراف فى استخدام «الفلوس» لإغراء الناخبين من أجل الحصول على الرضاء السامى للترشح عن الحزب فى الانتخابات المقبلة. وقد شملت «نفحات» مرشحى الحزب تقديم موبايلات وأجهزة تليفزيون وخلافه. وإذا كان حجم الإنفاق على هذا المستوى فى الانتخابات التأهيلية للحزب فكيف سيكون الحال فى الانتخابات الفعلية؟ وهل سوف تكفى ال200 ألف جنيه مرشحى الحزب الذين يخوضون حرباً شرسة ضد معارضين لديهم المال أيضاً؟. من المؤكد أن مسؤولى الحزب الوطنى يرون أن هذا المبلغ كاف جداً، لأن المرشح الذكى يجب ألا يغرى الناخبين – هذه المرة - باللحمة أو الفراخ، ولا حتى «القوطة»، لأن أسعار «الأكل» اليوم أصبحت تتفوق على أسعار الموبايلات والتليفزيونات، بعد أن أفلح سحر «المعزة» فى تحويل لحم العجول إلى «ذهب»!. وفى الوقت الذى يصر فيه الحزب الوطنى على ضرورة الفصل بين الدين والسياسة وعدم استخدام الشعارات الدينية فى التنافس ما بين المرشحين، نجد المعارضة تتهمه بأنه لا يتأخر عن الدفع بوزراء حكومته للترشح بهدف لخبطة التشريعى على التنفيذى، ولا يتوانى عن خلط السياسة بالمال، فى الوقت الذى يرفض فيه الزج بالدين فى حلبة السياسة. والمعارضة لا تفهم أن الحزب يقف ضد أى إساءة للدين أو جور على قدسيته التى تتنافى مع دونية ودنيوية السياسة ، والسبب فى ذلك هو «المعزة» التى تتدخل لتخيّل للناس أن حكومة الحزب الوطنى ثعلباً يلبس «العمامة» ويخرج فى ثياب الواعظين المدافعين عن الدين . أليس هذا سحراً؟ أن تخيّل لنا «المعزة» أن الحكومة ثعلب خرج علينا فى ثياب الواعظين!. حكومة الحزب الوطنى إذن تريد انتخابات نزيهة، وتتمنى أن يشارك المواطن مشاركة حقيقية فى فعالياتها، وتشتاق إلى أن يختار مرشحه بناء على برنامجه وليس بناء على ما يدسه فى يده أو جيبه، وتحلم بأن يتنافس المرشحون بموضوعية بعيداً عن الشعارات الدينية.. الحكومة تريد كل هذا، لكن المشكلة فى «المعزة» التى تقلب النزاهة إلى تزوير، وتصد المواطن عن الذهاب إلى اللجان مفضلاً عليها «الأنتخة» فى البيت أو فى العمل، وتدفع المرشحين إلى استخدام المال والدين من أجل الحصول على صوت المواطن «المبحوح»!. [email protected]