يقيناً لن يأتى يوم 20 نوفمبر المقبل إلا ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط قد تنازل عن دعواه القضائية ضد الإعلامى حمدى قنديل. أقول هذا ليس عن معلومات موثقة، بل على ثقة فى نُبل الوزير أبوالغيط وتسامحه.. أبوالغيط إنسان راق، ومشاعره فياضة، ودموعه لا يحبسها كِبْر وافتعال، ونفسه جد راضية، وغضبه نفسه قصير. الوزير أبوالغيط يخرج من بيته فى «قها» قبل صحو العصافير لا يتأبط شراً. ورغم قسوة «قنديل»، وخشونة عباراته التى كالها للوزير فى نوبة غضب عاتية أعمته عن حسن اختيار ألفاظه، فجاءت على نحو جرح الوزير وآلمه نفسيا، إلا أن «قنديل» رقراق لا يتخيّر عن الوزير فى عذوبته ورقة مشاعره وفيضانه الوطنى الذى يقاسمه فيه الوزير ويتشاطره معهما جل المصريين. كلاهما يحب مصر حبا جما، والعاشقون فى حبهم مذاهب. لا أطلب عفو الوزير، ولا أطلب اعتذار «قنديل»، أطلب قدرا وفيرا من السماحة التى تميز الاثنين، لو التقيا سيخرجان وكل منهما يحمل تقديرا للآخر لا يشك فيه، بل يشك أن يبقى كل منهما على حاله، ويقف أحدهما متهما من قبل الآخر مع حفظ الألقاب والمناصب. كلاهما يستحق مكانة أكبر من مجرد متقاضيين أمام القضاء. إدانة «قنديل» لن تسعد الوزير ولن تشفى غليله، قد تشقيه، لأن مَنْ يعرف الوزير يختبر رقة مشاعره. دخلت على الوزير ذات مرة وكان ممسكا بمجلة ال«بارى ماتش» (مجلة فرنسية) تعود إلى تاريخ النكسة الله لا يعيدها، ما إن رفع رأسه حتى بانت دموعه، وتهدج صوته، كان يكابد ألما مزق أحشاءه، وكلب يظهر فى صورة ينهش جسد شهيد من أولادنا فى صحراء سيناء لم يسعف القدر زملاءه أن يسحبوه معهم إلى حضن أمه مصر. «أبوالغيط» حالة استثنائية، تختلف أو تتفق معه، ولكن قلبه أبيض ولم يكن يستحق لفظا خشنا من رقيق القلب دمث الأخلاق حمدى قنديل، والأخير قلبه بفتة بيضاء، والله يعلم ما فى القلوب جميعا، لكن يجب ألا يقف «قنديل» متهماً من جانب أبوالغيط، لا يصح أن يتفرج علينا اللى يسوى واللى مايسواش. يجب ألا نتحول لفُرْجة ليلية لفضائيات عربية متربصة بمصر الظنون. المشهيات فى قضية «أبوالغيط - قنديل» يسيل لها اللعاب، وزير مصرى بل وزير الخارجية، وإعلامى مصرى بل إعلامى معارض، بينهما تناقضات سياسية تجعل أحدهما على طرف نقيض من الآخر، لن يلتقيا سياسيا، ولكن من الممكن أن يلتقيا إنسانيا، ومصريا وعربيا. ما يجمع بينهما من أواصر لا تفرقه المواقف السياسية مهما كانت قسوتها، قد يجمع الله الشتيتين. لا أعتقد أن سجن «قنديل» (إن حدث) يسعد «أبوالغيط»، ولا محاكمته تثلج صدره، ولا أعتقد أن «قنديل» تسعده المحاكمات، والسجن ليس أحب إليه من رقيق العبارة بلسماً لما جرح، ولا تأخذه العزة بالإثم، ولا يستكبر. لا أطلب اعتذارا ولا عفوا لكن أطلب من أصدقائهما المشتركين التدخل للم الشمل، وعفا الله عما سلف، وخيرهما الذى يبدأ بالسلام. أعرف أن كلماتى قد يستنكفها الاثنان معا، ولكنى أستنكف وقوفهما أمام القضاء، أرفض مثول «قنديل» قضائيا فى دعوى يرفعها وزير الخارجية أبوالغيط. خلافات الكبار تُحل بأشكال أخرى.. خلافات الرجال لها حلول أخرى.. غلظة القول تعالج برقيق العبارة، وفورة الغضب تعالج برقة المشاعر، وكلاهما متوفر عند قنديل وأبوالغيط. لا أطمع فى الكثير، فقط أطمع فى نبل المشاعر، ونموذج يحتذى من وزير راق وإعلامى يعرف العيبة.