تعرف على القطاعات الأكثر مساهمة في النمو الاقتصادي 2024/2025 | إنفوجراف    إزالة 9 تعديات على الأراضي الزراعية خلال حملات في أرمنت بالأقصر    ترامب: عدم حصولي على جائزة نوبل سيكون إهانة كبيرة للولايات المتحدة    «الأوروبي للدراسات»: أوروبا وروسيا على حافة مواجهة مباشرة مع تصاعد الخروقات    «عدنا أمة غنية».. ترامب: عدم حصولي على نوبل إهانة للولايات المتحدة (تفاصيل)    عرضوا حياتهم للخطر.. «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو استعراض قائدى سيارات بمركباتهم بأسيوط    أجواء خريفية وأمطار رعدية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الأربعاء    المتحف المصري الكبير يحتفي بفعالية يوم الهوية في نسختها الثالثة    وفاء حامد: أسعار النفط إلى قفزة كبيرة... وأحداث غامضة تربك العالم    تشكيل توتنهام هوتسبير الرسمي لمواجهة بودو جليمت    مستقبل وطن: ننقل آمال ورغبات المواطنين ونساهم فى المساعدة فى حل مشاكلهم    "الرفات الأخير".. حكاية مصرى من وادى القمر".. قريبًا على قناة "الوثائقية"    وزير الزراعة للقناة الأولى عن العلاقة مع جهاز مستقبل مصر والقطاع الخاص    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    الزمالك يكشف إصابة المهاجم عدي الدباغ    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    المايسترو محمد الموجي يتولى إدارة مهرجان الموسيقى العربية بعد اعتذار تامر غنيم    وزير الإسكان يُعلن بدء تسليم وحدات مشروع "ڤالي تاورز إيست" بالعبور الجديدة ضمن مبادرة "بيتك في مصر"    أيمن عبدالعزيز: الزمالك لعب أمام الأهلي 80 دقيقة بلا مدرب    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    زينة أشرف عبد الباقى: أشعر بتوتر كبير فى العمل مع والدى    محافظ الغربية يتفقد الوحدة الصحية ومركز الغسيل الكلوى والحضانات بقرية أبشواى الملق    تقارير: مفاوضات اتحاد جدة مع يورجن كلوب تسير في اتجاه إيجابي    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    "زراعة الفيوم" تنظم ندوة إرشادية حول محصول الكانولا كأحد المحاصيل الزيتية الواعدة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    وزير التربية والتعليم يصدر قرارًا وزاريًا بشأن حافز التفوق الرياضي    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    «واحدة من الدول الثلاث».. وزير: كوريا الشمالية قادرة على ضرب البر الرئيسي الأمريكي    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    اتحاد الكرة يؤكد ثقته في الحكام المصريين    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    صلاح أساسيا في تشكيل ليفربول المتوقع أمام جالاتا سراي    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    مصرع 7 عناصر إجرامية شديدة الخطورة في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بالبحيرة    قناة مجانية تنقل مباراة منتخب الشباب ضد نيوزيلندا في المونديال    الرئيس السيسى يستقبل الأمير "رحيم" رئيس شبكة الآغا خان للتنمية ويهنئه بمنصبه ويشيد بإسهامات والده فى دعم التنمية وحفظ التراث الإسلامى.. الرئيس: حياة كريمة و100 مليون صحة تجسد رؤية مصر 2030 للاستثمار فى الإنسان    مهن المستقبل.. جدارات متجددة    ما حكم ما يسمى بزواج النفحة.. الإفتاء توضح    ما حكم قتل الكلاب الضالة المؤذية؟ دار الإفتاء تجيب    تعرف على العد التنازلى لشهر رمضان المبارك وأول أيامه فلكيا    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    رئيس الوزراء يتفقد عددا من المنشآت التعليمية بقرية سبك الأحد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى وقت السّحَر
نشر في المصري اليوم يوم 10 - 10 - 2010

أختلف كثيرا مع الذين يشعرون بالاكتئاب والإحباط إزاء الأوضاع الراهنة فى مصر! ليس لأننى أرى - كما يصر الصديق د. عبدالمنعم سعيد - أن الأوضاع طيبة ومبشرة! بل لأننى أعتقد أن الليل الطويل قارب على الانتهاء، وأن تباشير الفجر تلوح فى الأفق حتى ولو كانت خافتة وعلى استحياء! إننا - بعبارة أخرى - نعيش فى وقت السحر، أى ذلك الجزء الأخير من الليل الذى يسبق طلوع الفجر، وإن الفجر لناظره لقريب.
إن مصر اليوم - كما سبق أن ذكرت - هى رجل الشرق الأوسط المريض! وذلك بالمناسبة تعبير سبقنى إليه أكثر من باحث أو محلل أجنبى أخيراً، ويستعير الوصف نفسه الذى أطلقه بعض ساسة أوروبا على الامبراطورية العثمانية فى منتصف القرن التاسع عشر. ولا يمكن لأى مواطن مخلص لبلده أن يتمنى أو يستريح لكون بلده (مريضاً)، ولكنها للأسف الحقيقة التى يجب أن نسلم بها – ابتداء – قبل الشروع فى أى علاج لهذا المرض.
وبعبارة أخرى، فإن الاعتراف بالمرض، والتعرف عليه، وتشخيصه بدقة، هو الخطوة التى تسبق أى علاج. على أى حال، وسواء تحدثنا عن «العلاج» الذى ينبغى أن يتوافر، أو عن الفجر الذى سوف يطلع، فإن علينا أن نلتفت جيدا إلى عديد من العلامات والأحداث الصغيرة التى ينبغى ألا تفوت علينا كإشارات لها دلالاتها بشأن ما هو آت، سواء اعتبرناها علامات «أمل» للشفاء من المرض، أو بشائر الفجر الذى سوف يبدد ظلام الليل!
ابتداء، فإن مثل هذه الإشارات أو العلامات أو الأحداث الصغيرة دائما ما تسبق الأحداث الكبرى، وكثيراً ما لا يدرك المعاصرون لها دلالتها أو مغزاها؟! ألا يذكر التاريخ أن واقعة قيام «عربجى» أو مكارى (مرافق لحمار نقل) من مالطة فى الإسكندرية فى 11 يونيو 1882 بقتل أحد المصريين، وما أعقبه من مشاجرة حامية، كانت هى المقدمة للاحتلال البريطانى لمصر الذى استمر لما يزيد على سبعين عاماً، وكان جلاؤه هو أحد الأهداف الكبرى للكفاح الوطنى طوال النصف الأول من القرن الماضى؟ وهل كان أحد يتصور أن هجوم ألمانيا على بولندا فى سبتمبر عام 1939 كان سيتحول إلى حرب تشمل الكرة الأرضية كلها لمدة ست سنوات، ويموت فيها ما يقرب من خمسين مليون إنسان؟
وهل كان بإمكان المراقبين والمحللين تصور أن انتخابات نادى ضباط الجيش المصرى فى أول يناير 1952 هى علامة قوية على تغيير سياسى شامل، سوف يعم مصر كلها بعد أقل من سبعة أشهر؟ وهل كان بإمكان أكثر المراقبين تشاؤماً أن يتنبأ بأن قرار جمال عبدالناصر فى مايو 1967 بإغلاق مضايق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية سوف يكون المقدمة لأسوأ هزيمة فى التاريخ المصرى والعربى، لانزال نعانى آثارها حتى اليوم؟
وهل كان يتصور مواطن مصرى واحد –مساء 17 يناير 1977– أن رفع أسعار السلع الأساسية الذى أعلن تفاصيله حينها وزير المالية عبدالمنعم القيسونى أمام مجلس الشعب سوف يشعل – فى اليومين التاليين – أكبر حركة احتجاجية جماهيرية عرفتها مصر فى نصف القرن الماضى، شملت البلاد كلها من الإسكندرية إلى أسوان؟ وهل كان بإمكان أكثر الشيوعيين تشاؤماً، وأكثر الرأسماليين تفاؤلا، أن يتصور أن مبادرات اندرو بوف وجورباتشوف بسياسات الجلاسنوست والبريسترويكا لمراجعة وتصحيح التجربة الشيوعية .. كانت هى مقدمة ليس فقط لتحطم وتلاشى الاتحاد السوفيتى بأكمله، بل والمعسكر الشيوعى كله!
إننا فى الواقع – فى مصر - إزاء لحظة من هذا النوع، حيث مجموعة من الوقائع والعلامات التى تبدو محدودة، ولكنها تشير إلى تغيير قادم، أو إلى حلم بقادم جديد .. اقترب يوم مولده! إنها علامات تتكاثر فى وقت السحر، قبل البزوغ التدريجى للفجر!
لقد نالنا – فى حزب الجبهة الديمقراطية - نصيب وافر من تلك العلامات الأولى، منذ أن قبض على شباب الحزب الثلاثة على التوالى: عمرو صلاح الدين، ثم أحمد عيد، ثم شادى الغزالى حرب، بدءا من عيد الفطر الماضى، وكان سيناريو القبض عليهم واحداً – برغم اختلافات تفصيلية بين كل حالة وأخرى - ففى الحالات الثلاثة تم القبض عليهم فى أثناء وجودهم خارج منازلهم حيث يتقدم بضعة أفراد من «جهاز أمنى؟!»
ويقتادون الشخص المعنى - وهم جاهزون لضربه إذا أبدى أى قدر من المقاومة - ليضعوا عصابة محكمة على عينيه قبل أن يدفعوه إلى سيارة جالساً بينهم إلى مكان ما، ليودع فى زنزانة قذرة ثم يطلب منه فى سياق الاستجواب الأولى أن يتجرد من ملابسه تماما وهو لايزال معصوب العينين؟! قبل أن يقدم للتحقيق مع محقق –لا يراه طبعا- يحاول أن يكون لطيفا معه (!!) وهو يسأله عن اهتماماته وأنشطته السياسية ورأيه فى أسماء وشخصيات عامة، ولماذا يؤيد هذا ولماذا يرفض ذاك؟ ولماذا قام بالنشاط الفلانى فى التوقيت العلانى ... إلخ؟! ويبيت ليلته فى زنزانة انفرادية يسمح له عند دخولها بأن يرفع العصابة عن عينيه لحظات ليرى محتوياتها وأين سيأكل وأين سيقضى حاجته قبل أن تربط العصابة بقوة ثانية على عينيه!
إننى أزعم أن أى أب فى مصر يشرفه ويرفع رأسه ويملؤه الفخر أن يكون ابنه مثل أى من هؤلاء الثلاثة: عمرو أو أحمد أو شادى: خلقاً وعلماً وأدباً والتزاماً وطنياً! وأتحدى أن يتاح للرأى العام أن يتعرف على تلك النماذج المشرفة من شباب مصر الصاعد، والتى بالقطع سوف تمده (أقصد الرأى العام) بطاقة هائلة بالتفاؤل والأمل فى الفجر الذى تلوح تباشيره!
فاذا كان الرأى العام قد اطلع - جزئياً - على بعض ما جرى لشباب الجبهة الديمقراطية فإنه سرعان ما فوجئ فى الأسابيع القليلة التالية بأحداث ووقائع أخرى تبدو صغيرة أو محدودة .. ولكنها تؤكد وتكمل مغزى ودلالة ما يقع فى الهزيع الأخير من ليل مصر الطويل!
فتوقف إعلامى أو مذيع عن تقديم برنامج فى إحدى شبكات التليفزيون هو واقعة مهنية تحدث بشكل عادى فى أى مؤسسة إعلامية، ولكننا نعلم جميعا أن ذلك لم يكن هو الوضع مع الإعلامى المتميز عمرو أديب، الذى منع – لأسباب لم تعد تخفى على أحد - عن تقديم واحد من أنجح البرامج الحوارية فى مصر والعالم العربى فى السنوات الأخيرة! والواقع أننى توقعت له هذا المصير بعد أن شهدت له برنامجاً فى شهر رمضان، لم يكن فيه مذيعا وإنما ضيفا، تحدث فيه بصراحة وتلقائية وصدق عندما سئل عن رأيه فى بعض الاختيارات السياسية فأجاب بما أودى ببرنامجه إلى المجهول، فى أزهى عصور الديمقراطية.
وبالمناسبة فقد سجلت شخصياً حلقة من حلقات البرنامج التليفزيونى (دوام الحال) الذى قدمته المذيعة المتميزة لميس الحديدى فى رمضان الماضى، غير أن الحلقة لم تذع أبداً؟! وعندما كنت أسأل الأستاذة لميس كانت تجيبنى بأن هناك بعض المشاكل مع الرقابة ولكنها تأمل فى حلها قبل انتهاء شهر رمضان، وكان واضحاً تماماً أن ما تقوله لى كان يعبر عن رغبتها وعن تمنياتها أكثر مما يعبر عن الواقع الفعلى! فقد مر رمضان، ولم تذع الحلقة، وخابت توقعات لميس الحديدى!
فى هذا السياق، وذلك المناخ، وفى أجواء ما قبل الفجر أزيح إبراهيم عيسى، أحد أبرز وأشجع أبناء جيله من صحفيى مصر، عن رئاسة تحرير «الدستور» بعد أن نُقلت ملكيتها إلى ملاك جدد. ولاشك أن تلك الواقعة – واقعة إزاحة عيسى - ترتبط بقضايا أساسية شائكة فى عالم الصحافة فى مصر، وعلى رأسها علاقة الدولة بالصحافة، وعلاقة رجال الأعمال بالصحافة، ودور الأمن فى الصحافة المصرية المعاصرة ... إلخ. ولكن، ودون أى تفاصيل أو تعقيدات ترتبط بظروف بيع الصحيفة وما تبعها من تطورات، فلاشك أن هناك قوة معينة فى الدولة ضغطت وتحركت - فى سياق الصفقة - لإبعاد إبراهيم عيسى عن رئاسة التحرير، بسبب توجهاته السياسية المعارضة بشكل عام، وفى مواجهة احتمالات توريث السلطة فى مصر بشكل خاص!
ذلك هو جوهر القضية، والحقيقة المسكوت عنها والكامنة وراء الأحداث. ومن سوء حظ الملاك الجدد، أو د. السيد بدوى تحديداً، أن هذا الهدف الخفى للصفقة - أى إبعاد عيسى – سرعان ما انكشف، وأن محررى «الدستور»، فى غالبيتهم العظمى، وقفوا موقفاً مشرفاً مهنياً وأخلاقياً وسياسياً إلى جانب رئيس التحرير الذى ارتبطوا به وأحبوه.
ومن المؤكد – وأنا أكتب هذه السطور فى أثناء الأزمة- أن إبراهيم عيسى سيخرج منتصراً منها، بصرف النظر عن استمراره أو عدم استمراره فى الدستور (الجديدة!!). أما أول الخاسرين فهو يقيناً د. السيد البدوى الذى أبرم صفقة غير موفقة فى توقيت غير موفق، ولم تسعفه لباقته أو حرصه أو دبلوماسيته للخروج من مشكلة، تبدو ضئيلة للغاية، مقارنة بمشاكل أعمق وأخطر تنتظره فى حزب الوفد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.