أتابع بكل اهتمام، الإضرابات والحركات الاحتجاجية، فى مصرنا المحروسة، التى يشارك فيها الرجال والنساء، للاحتجاج على سياسات الحكومة، وللتعبير بشكل أساسى عن مطالب فئوية، مع مطلع عام 2009، كان هناك إضراب للصيادلة - ونجحوا فيه - وكان هناك إضراب للمحامين، أسفر عن نتائج توافقية، ومن قبلها المعلمون، وأصحاب المعاشات، والعاملون فى الضرائب العقارية، ووقفات احتجاجية للقضاة... و... و... أنا هنا أفكر فى إضراب (سلمى للغاية بالطبع) للنساء والشابات المصريات، أتخيل وأتوهم إضراباً للنساء، بمناسبة الاحتفال بيوم المرأة العالمى، والاحتفال بيوم المرأة المصرية، تخيل معى عزيزى القارئ، إضراباً للنساء فى شهر مارس 2009، لماذا؟ وكيف؟ وهل سيشعر الرجال المصريون بخطورة إضراب المرأة؟ هذه الفكرة خيالية، وفى الأغلب مستبعدة تماماً فى الواقع، لأنها -والله أعلم- قد تأتى بنتائج «كارثية»، أهمها مزيد من العنف فى التعامل مع المرأة ربة البيت، إذا امتنعت عن تقديم الطعام للرجل فى موعده المحدد، هنا قد يصل الأمر إلى القتل، وفقاً لما نتابعه فى صفحات الحوادث، وإذا امتنعت عن الذهاب للعمل، فهذا أيضاً قد يعرضها لمشاكل فى عملها، ويشعر الزوج الغالى بأن دخل الأسرة (ودخله شخصياً) سيتعرض للانخفاض. إذا امتنعت النساء فى يوم «الإضراب الخيالى للنساء المصريات»، عن النزول للشارع، واستخدام المواصلات العامة، فهذا أمر جيد سيسعد الرجال، لأن هناك أماكن لهم يجلسون فيها، وسيكون الإضراب «فرصة» لتجنب الازدحام، والاستمتاع بيوم «رايق».. صحيح أن بعض الشباب والرجال الذين يسعدهم تواجد الشابات والنساء فى الشارع، للاستمتاع بالنظر إليهن، مروراً بالمعاكسات اللفظية، وصولاً إلى «التحرش» بهن، سوف يشعرون بالإحباط لمرور يوم إضراب النساء، دون قول فاضح أو فعل فاضح، إلا أنه «يوم ويعدى». الغالبية من النساء المتزوجات، لا يشعر أزواجهن بهن، لا يدرك الأزواج -فى غالبيتهم- مدى الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التى يتعرضن لها، إدراك الزوج لقيمة الزوجة فى حياته، محدود للغاية، خاصة بعد عدة سنوات من الزواج، حين تتحول الحياة إلى روتين ممل، لا يفكر أغلب الأزواج فى كلمة تقدير واحدة للزوجات، على الأقل فى بعض المناسبات المهمة، المسافات تتسع بين الزوج والزوجة يومياً، ولا يوجد وقت أحياناً للحديث بين الطرفين، بمودة وتقدير واحترام، إذا بادر البعض منا لدعوة النساء للاحتجاج والإضراب، عن أى نساء نتحدث، ومع أى قطاع منهن نتواصل؟ النساء والشابات المتعلمات؟ أم غير المتعلمات وهن الغالبية؟ العاملات المطحونات فى دوامة العمل والحياة (25٪ من النساء) أم ربات البيوت؟ نساء العاصمة والمدن الكبرى أم النساء فى الريف المصرى؟ نساء الوجه القبلى فى القرى الأكثر فقراً أم فى الوجه البحرى حيث الوضع أفضل نسبياً؟ إلى من نتحدث وعن أى إضراب أو احتجاج للمرأة المصرية فى عيدها؟ النساء لسن «امرأة واحدة» نتحدث عنها فى يوم المرأة العالمى، أو يوم المرأة المصرية فى شهر مارس، وبالتالى يصعب للغاية اختزال كل النساء فى «امرأة واحدة»، ويصعب مشاركتهن فى الإضراب والاحتجاج الخيالى فى يوم المرأة، المطالب مختلفة، والحقوق مختلفة، والإدراك لها مختلف تماماً، والوعى بها أيضاً يختلف من امرأة لأخرى. إذن لقد فشل خيالى ومشروعى الوهمى، لدعوة النساء المصريات للإضراب، قد يكون الإضراب ضد سياسات الحكومة للضغط من أجل مطالب فئوية ومادية أسهل بكثير جداً من إضراب النساء واحتجاجهن ضد «سياسات الرجال»، ليس كلهم بالطبع بل الغالبية.. «سياسات قهرية» للتعامل مع المرأة، حوار مفقود، حقوق ميراث لا تحصل عليها المرأة، عنف يتزايد فى التعامل معها، حرمان من حقوق شرعية حين يتخذ الرجل القرار بالطلاق، سنوات طويلة فى المحاكم حتى تحصل على حق لها، وفى الطبقات الفقيرة والمطحونة، تعمل المرأة بأجر يومى ضئيل للغاية، يذهب مباشرة للزوج «الجالس يدخن الشيشة على القهوة» بدون عمل. لا داعى إذن لإضراب النساء الوهمى، خاصة أن قوات الأمن سوف تتعامل معهن ببساطة ودون أى صعوبات، وسوف تبتكر أساليب جديدة (كما حدث عام 2005) فى قمع إضراب النساء.. دعونا نتحدث عن أننا أمام بناء ثقافى قيمى، متكامل، نحتاج إلى اختراقه والتركيز عليه، والتضامن معاً، لتحقيق «بعض الإنصاف» للنساء، التشريعات والسياسات الحكومية مهمة بالطبع، خطت بشكل محسوب فى اتجاه إنصاف المرأة المصرية، لكن الواقع أكثر تعقيداً، حين يتم توارث «ثقافة» و«قيم» تكرس تهميش النساء، هل يفلح مع هذا السياق الثقافى والاجتماعى المعقد، دعوة النساء المصريات للإضراب والاحتجاج؟ خيال محضى يفوقه الواقع المر للمرأة.