العنف الجنسى، لم يعد مقصوراً على حوادث الاغتصاب، بل يتحول تدريجياً إلى طقس من طقوس الجنس بين الأزواج ويساعد على ذلك أن العلاقة الجنسية بين الزوجين من الموضوعات الشائكة التى يهرب من مناقشتها الكثيرون، رغم أن فشل هذه العلاقات الحميمية من الأسباب الرئيسية لانهيار الحياة الزوجية وتزايد قضايا الأحوال الشخصية فى المحاكم. وذكرت دراسة حديثة أصدرها مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسى أن 29% من الزوجات المصريات يتعرضن للعنف الجنسى من أزواجهن، واختيار أوقات غير ملائمة للمعاشرة، مما يسبب لهن أذى نفسياً وبدنياً. وتضيف المذكرة: جاءت محافظة الإسكندرية فى المركز الأول من حيث ممارسة العنف الجنسى مع الزوجات تليها محافظتا المنيا وبنى سويف، ثم محافظة الشرقية واعتمدت نتائج الدراسة على اعترافات عينة عشوائية من 257 امرأة تتراوح أعمارهن بين 20 و50 عاماً، اشتكين من أن أزواجهن يتحولن إلى وحوش أثناء ممارسة الجنس. وقالت س.م «أم لثلاثة أطفال» إنها تتعرض لاغتصاب يومى من زوجها وصل لدرجة أنه أحياناً يرفض صيامها النوافل لأنه يريد معاشرتها، مشيرة إلى أنها متزوجة منذ 8 سنوات ولم تشعر يوماً بسعادة فى العلاقة الحميمة لأن زوجها لا يختار الوقت المناسب الذى يعاشرها فيه، ولا يراعى رغبتها أو حالتها النفسية أو طاقتها التى ضاعت طوال اليوم فى البيت وتربية الأبناء. ووصفت م.ن العلاقة الحميمة بين الزوجين بحلبة المصارعة التى يحاول فيها الرجل إظهار قدرته على التحكم فى المرأة، والانتصار عليها، مشيرة الى أن المرأة لا تستطيع أن ترفض طلب المعاشرة لأن السيدة التى ترفض تلبية رغبة زوجها تظل الملائكة تلعنها طوال الليل - على حد كلامها. وقالت رائدة ريفية إن العلاقة الحميمية بين الزوجين من أكثر المشكلات التى تشير لها السيدات، خاصة حديثى الزواج أثناء دورات الصحة الإنجابية التى تكون جلسات مفتوحة بين السيدات، وأكثر الشكاوى هى طلب الزوج للزوجة فى وقت غير مستعدة فيه، ولا تستطيع الرفض خوفاً من رد فعل زوجها. وأضافت: من المعروف أن السيدات المصريات أغلبهن يتنازلن أمام رغبة أزواجهن، ونسبة كبيرة منهن يجبرن على المعاشرة الزوجية مشددة على أن من لا يعرف ذلك لا يعيش داخل مصر ولا يعرفها. وأكدت أن الثقافة الشعبية التى تؤمن بالحق الكامل للرجل فى زوجته لا تؤمن بحق الزوجة فى أى شىء دون النظر إلى أن جميع الأديان السماوية حثت على حسن معاملة الزوجة وعدم إهانتها بأى شكل من الأشكال، مشيرة إلى أن مشروع القانون الذى تطالب به من أجل منع جميع أشكال العنف ضد المرأة لم يصل حتى الآن لمجلس الشعب. الدكتورة أمينة بدوى، أستاذ علم النفس، قالت إن العنف فى العلاقة الخاصة بين الزوجين، له أسبابه ونتائجه الخطيرة، فأسبابه هو ارتباط زوجين بلا قبول ولأسباب غير سوية مثل الأسباب المادية أو لكبر السن، ويتم الزواج وفقاً للعقل بلا عاطفة، لهذا تنشأ أسر بأساس ضعيف. وأشارت إلى أن الرجل والمرأة يجب أن يكونا مسؤولين عن قرارهما، حتى لا يحدث عنف، وإن وجدت مشكلات، يصبح من السهل حلها، الأمر الذى لن يكون إلا بزواج على أسس صحيحة، بناءً على اختيار العقل والعاطفة معاً، حتى لا يحدث «عنف فراش» من الرجل لزوجته أو من الزوجة لزوجها والتى تعد إهانة له يرد عنها بإهانة أكبر لها، ويتعامل معها بعدوانية. أما عن تحليل شخصية الزوج العنيف فقالت إنه شخصية غير سوية تربى فى ظروف غير طبيعية، ولم يجد فيها نموذجاً يتعلم منه، وكانت علاقة والديه غير سوية وأنه لم يشاهد سوى سلوك الغطرسة والقهر من الأب للأم، ويريد أن يرى زوجته كأمة. أما عن شخصية الزوجة التى تتعرض للعنف فإنها فى حاجة إلى تعديل فكر حتى يستقيم سلوكها، لأنها أخطأت فى اختيار الزوج المناسب، وأخطأت فى استكمال حياتها دون البحث عن حلول لمشكلتها، وإن لم تجد حلاً عليها بالانفصال. وعن نتائج هذا السلوك العدوانى قالت إن الأبناء هم أول المتضررين لأنه إذا كانت العلاقة بين الأب والأم غير سوية يفقدون الشعور بالأمان ويصبحون عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والانسياق وراء أصدقاء السوء. ونصحت د. أمينة كل سيدة تتعرض لمثل هذا العنف ألا تترك مشكلتها تتفاقم وأن تستشير المتخصصين حتى لا تزيد الفجوة بينها وبين زوجها، وإن لم تجد حلاً يرضيها عليها بالانفصال، لأنه خيراً لها ولأولادها، كما نصحت كل فتاة مقبلة على الزواج أن تختار زوجها بعناية ولا تستجيب لضغوط من حولها. وقالت الدكتورة ملك زرار، أستاذ الشريعة الإسلامية، إن الإسلام نظم العلاقة الحميمة بين الزوجين تنظيماً شرعياً، فجاء بالقرآن الكريم «فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله» وجعل الله مسؤولية المعاشرة على عاتق الرجل «المباشرة» وفقاً لضوابط شرعية أقرها الرسول، عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز التعدى عليها، كى يحصن الرجل زوجته، ويتقرب بها كعبادة إلى الله يقصد بها إنجاب نسل صالح، ومنها أنه لا يجوز للرجل أن يجبر زوجته على المعاشرة، بل عليه فى البداية التودد وعدم الإساءة إليها ولا يجوز له أن يعزل عنها دون رضاها، وقد حذر الرسول، صلى الله عليه وسلم، الرجل أن يتسرع فى العلاقة الحميمة قبل أن يمتع زوجته. ويروى عن عائشة، رضى الله عنها أنها قالت «كان الرسول يتودد إلى نسائه قبل أن يباشرهن وبعد أن ينتهى يتوضأ ويؤنسهن». ويضيف الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى، إن الدين الإسلامى حث على حسن المعاملة بين الزوجين، وأن العنف الزوجى مخالف للشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أن الزوجة عليها بتقديم الأعذار لسلوك زوجها نظراً لضغوط الحياة اليومية، وسوء الأحوال الاقتصادية، وإن لم تستطع تحمله عليها أن تتحدث معه، وإن لم يتغير سلوكه تنفصل عنه، ونصح الأزواج بمعاملة زوجاتهم ككيان يجب احترامه وأن يتقى الله فيها، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أوصانا بحسن معاملتهن وكانت آخر وصاياه «رفقا بالقوارير واستوصوا بالنساء خيراً».