بدأ عدد من المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأممالمتحدة، فى إخلاء موظفيها من السودان بالفعل، وعمدت بعض الدول الغربية إلى تخفيض دبلوماسييها وموظفيها، وكررت التحذيرات من استهدافهم من قبل متشددين وغاضبين من قرار المحكمة الجنائية الدولية المتوقع بتوقيف البشير. مع هذه التطورات، أصبحت اتفاقية السلام التى وقعت فى يناير 2005 بين الشمال والجنوب ومصير ما يقرب من 10 آلاف جندى تنشرهم الأممالمتحدة فى جنوب السودان، وفى مناطق جبال النوبة، والنيل الأزرق، وأبيى، وفقاً لنصوص هذه الاتفاقية فى مهب الريح، لذلك حاورنا أشرف قاظى، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة فى السودان، حول هذه الأوضاع، وحاول الرجل أن يكون دبلوماسياً بتأكيده أن الحكومة السودانية ملتزمة بتأمين أفراد البعثة، وأنه لا يستبعد أعمال الشغب، ولكن كل الأمور مدروسة بعناية. * بعثة الأممالمتحدة متهمة بإمداد «أوكامبو» بتقارير تفيد إدانة البشير بجرائم حرب، وهو ما يتنافى مع الاستقرار الذى تنشده الأممالمتحدة فى السودان؟ - أجاب منفعلاً: هذا ليس اتهاماً، وأنا لم أمد المحكمة بتقارير إنما بمعلومات فقط، وذلك لأن هناك «ميثاقاً» بين المحكمة الجنائية الدولية والأممالمتحدة ينص على أن تتعاون جميع بعثات الأممالمتحدة فى كل مكان مع المحكمة وإمدادها بالمعلومات. * ما مصير اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، خاصة أن الاتفاقية تواجه أصلاً عقبات بين طرفيها المؤتمر الوطنى، بزعامة البشير، والحركة الشعبية التى يقودها نائبه الأول سلفا كير؟ - السلام قائم، لكنه ليس آمناً ولا مستقراً، ويجب الانتهاء سريعاً من تنفيذ ما جاء فى اتفاقية نيفاشا الموقعة 2005 لمنع المناوشات التى تحدث هنا وهناك وحتى لا تتكرر أحداث مثل أبيى. * وما أوجه الخلاف الآن رغم أن الاتفاقية شملت كل شىء؟ - هناك محطات رئيسية يفترض تنفيذها قبل الاستفتاء، وهى إعلان نتائج التعداد، والانتخابات، وعمليات نزع السلاح، وإعادة الدمج، وترسيم الحدود، وهناك تفاصيل لم يتم الاتفاق عليها بعد، منها تقسيم الثروة، ويجب التوصل سريعاً إلى اتفاق لتقسيم الثروات، خاصة النفط لأهميته لكونه سبباً فى قيام العديد من النزاعات، بغض النظر عن استفتاء الاستقلال المتوقع إجراؤه عام 2011 وبعيداً عن منطقتى الخرطوم عاصمة السودان وجوبا عاصمة الجنوب. كذلك التوصل إلى حل لمشكلة «ترسيم الحدود»، التى قد تثور مستقبلاً، فلو أردنا إجراء استفتاء على استقلال الجنوب يجب أولاً معرفة حدود الجنوب جيداً، خصوصاً المناطق الثلاث الأكثر إثارة للمشكلة وهى: «أبيى، وجوبا، ومناطق النيل الأزرق»، ويجب أن يكون شعوب المناطق الثلاث لهم الحق فى تقرير مصيرهم وفقاً لاستفتاء شعبى. ورغم أن عملية ترسيم الحدود مسألة شائكة كونها تؤثر أيضاً على تحديد الدوائر الانتخابية والاستفتاء وعمليات إعادة نشر القوات، فإن الأممالمتحدة قدمت كل الدعم للجنة الفنية لترسيم الحدود المكونة من خبراء وفنيين من الجانبين، وقد قدمت بعثة الأممالمتحدة دعماً كبيراً لعمل اللجنة وزودتها بصور أقمار صناعية ووثائق مساعدة، إلا أن اللجنة لم ترفع تقريرها بعد. * يتم التلويح من حين إلى آخر من قبل الجنوبيين بعدم الاعتراف بنتائج التعداد إذا ما جاء مخالفاً للتوقعات؟ - يجب القبول بنتائج التعداد حتى مع وجود الأصوات الجنوبية التى تلمح إلى رفض نتائج التعداد فى حال عدم توافقه مع التوقعات، فمن الخطر أن يتم التشكيك فى التعداد لأنه سيؤثر بالسلب على إجراء الانتخابات، كونه يرتبط بتحديد الدوائر الانتخابية، وسيكون البديل هو الاعتماد على التسجيل المباشر للناخبين، وهو ما يعنى تأجيل الانتخابات لأشهر طويلة لضمان تحديث بيانات قاعدة الناخبين. وعلى أى حال نتائج التعداد ستكون «تقريبية» وليست «مثالية تماماً» ولكن إذا ما أراد الطرفان السلام فيجب القبول بها، لأنها ستكون مهمة لاجتياز مرحلة الانتخابات القادمة. * فى تصريح لمسؤول جنوبى قال إنه يخشى عدم اعتراف الشمال بقرار محكمة العدل الدولية فى لاهاى، والخاص بقضية أبيى، فهل يعنى أنه تسربت أنباء عن أن قرار المحكمة سيأتى لصالح الجنوبيين؟ - قرار المحكمة لم يصدر بعد ولا أحد يستطيع التكهن به. * هل المحكمة الجنائية ستؤثر على اتفاق السلام الشامل «نيفاشا»؟ - بالطبع سيكون لها تأثير، واستمرار الأزمة فى دارفور، فحالة عدم الاستقرار عموماً تهدد تنفيذ الاتفاق وتعرضه للمخاطر وتعرض السودان بالكامل للخطر. * هل تتفق مع ما جاء بتقرير مجموعة الأزمات الدولية الذى رأى فى جنوب كردفان «دارفور وليدة»؟ - لا.. فهو تقرير مبالغ فيه رغم أنه يستند إلى مؤشرات حقيقية، وهناك تحسن فى الأوضاع الأمنية بجنوب كردفان، رغم وجود مشكلات بشأن إعادة دمج المحاربين القدامى، ومعالجة منطقة جبال النوبة، وهذا لا يعنى إهمال هذه المنطقة، فهى بحاجة إلى النظر إليها حتى لا تتحول إلى منطقة خطرة.