زمان كان الإرهاب يطل علينا برأسه من قلب صعيد مصر، وكانت حجتهم فى ذلك إهمال الحكومة لهم فى الحقوق والخدمات، ولذلك كان الطريق سهلاً أمام بعضهم للارتماء فى أحضان الإرهاب.. فكانوا ينشرون الرعب بين الآمنين على طريقة العصابات، من خلال قيامهم بالتفجيرات فى الميادين وفى دور السينما ومحال الفيديو، وقد نجح حبيب العادلى ورجاله، بعد رحلة طويلة، فى تجفيف منابع الإرهاب من خلال حزام أمنى فرضه على القادمين من الخارج، الذين ينتمون إلى جماعات متطرفة تعيش على تمويلات دول كانت تصب حقدها على مصر.. تقارير العادلى طالبت القيادة السياسية بالاهتمام بالبنية الأساسية وتوفير الخدمات الإنسانية فى صعيد مصر.. جاءت اهتمامات مبارك بالقرى والنجوع لتشهد لأول مرة فى حياتها أول تطور منذ قيام ثورة يوليو.. فقد كانت منسية على خريطة الخدمات. مبارك أشرف بنفسه على خطة استثمارية، وطالب رجال الأعمال بالاستثمار فى صعيد مصر، فأعطاهم الأرض مجاناً لبناء المصانع التى كانت سبباً فى تشغيل الآلاف من أبنائه.. هذه السياسة حققت للصعيد مكاسب جعلتهم يتمسكون بها ويحافظون عليها.. ولا أحد ينكر شجاعة مبارك عندما انتقل بنفسه أكثر من مرة ليعاين على الطبيعة المدن السكنية الجديدة التى كان يأمر بإقامتها.. فلأول مرة يدخل الصرف الصحى والكهرباء للقرى والنجوع.. حتى المستشفيات فيه أصبحت على مستوى مستشفيات مدينة القاهرة.. معنى هذا الكلام أن التفرقة فى الخدمات واختفاء العدالة كانا سبباً فى وجود الإرهاب داخل الصعيد، وكون أن مبارك وضع يده على المأساة بتحسين الأوضاع المعيشية لأهل الصعيد فقد كان لذلك بعد اجتماعى كبير، كان سبباً فى أن ينشر الأمن والسلام داخل الصعيد نفسه حتى انخفض ترمومتر الجرائم فى القتل والسرقات. هذا السرد أطرحه الآن بعد رحلة التنمية التى حدثت فى قلب الصعيد.. وانعكست على الأمان الذى شهدته البلاد طوال السنوات الماضية.. لكن أن يطل علينا أحد رؤوس الإجرام بعمل جبان كالذى حدث فى قلب ميدان المشهد الحسينى فهذا ما يجعلنا نعيد حساباتنا ونسأل عن الأسباب.. هل عادت ريما بأعمالها القذرة القديمة؟ إن هذا العمل الإجرامى يذكرنا بالذى حدث عام 2005 فى نفس المنطقة.. ثم فى ميدان عبدالمنعم رياض.. وبعدها حى السيدة عائشة وكلها كانت «أعمال جبانة» لا تنتمى إلى جهة، ولكنها نابعة من قلب عشوائيات شبرا الخيمة، أبطالها أسرة أفرادها كانوا يعانون من المجاعة.. وفى التحقيقات والمحاكمات أفصحوا عن الحقد الذى كان فى داخلهم نحو بلدهم، وفى رأيى أن الحادث الأخير لن يخرج عن سوابقه، فهو نسخة منه مائة فى المائة، لأن مرتكبه جاهل فى تصنيع العبوات الناسفة والدليل أن صناعتها كانت بدائية ورديئة، لقد أراد إحداث نوع من البلبلة فى توقيت كانت فيه مباراة الأهلى مع بتروجيت على الهواء بمدينة السويس.. ويعرف جيداً شكل التجمعات فى الميادين حول شاشات التليفزيون، فاختار ميدان المشهد الحسينى ليفعل جريمته، التى انتهت بإصابة عدد من السياح الفرنسيين، ونحمد الله أن أجهزة أمن الدولة وضعت يدها على بداية الخيط وكلها تؤكد أنه عمل عشوائى، لا يخرج عن إثارة الفزع ورسالة من منشق إلى المجتمع. لكن السؤال الآن: هل الجوع يؤدى إلى الإضرار بسلامة البلد فلو كان الفاعل محروماً أو جعان هل ينتقم من البلد الذى شرب من نيله وترعرع على أرضه.. والمفروض أن ينتمى إلى ترابه.. فكم من المئات ينامون جوعى.. وكم من الآلاف لا يأكلون اللحم إلا فى شهر رمضان على موائد الرحمن ومع ذلك، لأنهم شرفاء، فمصر فوق رؤوسهم.. وأى ضيف أجنبى فى عيونهم. الشىء الذى يؤلم أن الضربة تأتى من داخل مصر، فقد تعودنا أن تكون من أشخاص لا ينتمون إلينا لا فى الجنس ولا فى اللغة، لأنهم يحقدون على مصر وإن جاءت ضربة العدو فهى أمر عادى لأنه عدو.. لكن أن تأتيك من ولدك فهذا إجرام يستحق الذبح. ولذلك أقول: أعطوا الفرصة لأطفالنا أن يبصقوا فى وجه المجرم لكى تكون هذه الصورة عالقة فى أذهانهم، عندما يشبون ويفهمون أن هناك فرقاً بين الوطنية والخيانة.. ومن يخن تكن هذه هى نهايته.. إن الانتماء لا يأتى إلا مع التربية فعلينا أن نربى أولادنا على حب هذا البلد فى الضراء وفى السراء، فهو بلدنا وكم أم جاعت ونام أبناؤها على الأرصفة ونجحوا فى أن يعبروا كبوتهم بالعمل والاجتهاد ويتصدروا الآن دولاً عظمى بانتمائهم لأوطانهم.. ونحن فى مصر إذا كنا نعانى من الأزمات الاقتصادية والنفسية فليست هذه هى نهاية العالم.. فنحن لسنا وحدنا فالعالم كله يعانى من هذه الأزمات، ونحمد الله أن الضربة التى أطاحت باقتصاد العالم أكدت أن القناعة هى الأبقى ونحمد الله على ما كتبه لنا من رزق.. المهم نتماسك ونجتمع على حب هذا البلد.. فمصر هى أمنا.. وأى أجنبى قادم إلينا هو ضيفنا.. «تسلمى يا مصر». [email protected]