لم تصمد محاولة الصلح العربية فى قمة الكويت أكثر من ساعات بعدها انهارت المصالحة، وتشعبت الخلافات بين الأشقاء، وراح كل طرف يبحث عن الأوراق التى سيلعب بها ويناور الخصوم فى «ساحة الخلافات»، التى هى أقدم الساحات العربية، الأمر الذى دعا البعض للدعوة لإنشاء مركز دراسات يكون معنيًا بالخلافات العربية، بدلاً من مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت. ليست هناك ورقة تستغل فى ساحة الخلاف أهم وأقوى من المعارضة واستخدام المعارضين الذين تحتويهم وتستضيفهم عواصم عربية نكاية فى عواصم أخرى شقيقة، فقطر تستضيف أهم رمزين للمعارضة المصرية، الشيخ يوسف القرضاوى والدكتور سعد الدين إبراهيم، فضلاً عن عدد غير قليل من عناصر المعارضة الإسلامية، المحسوبين على جماعات الإخوان المسلمين أو الجهاد والجماعة الإسلامية. وإذا كانت الخرطوم استضافت لسنوات طويلة، ومازالت، مئات من المعارضين الأصوليين نكاية فى المملكة السعودية ومصر فإن القاهرة من أقدم العواصم، التى احتوت المعارضات العربية لدمشقوالخرطوم وبغداد التى فتحت ذراعيها للمعارضة المصرية من جميع الاتجاهات، إبان توقيع الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1978، ولم تنافس بغداد فى احتواء المعارضة المصرية واستضافتها سوى طرابلسودمشق. أصبحت سوريا بعد الاحتلال الأمريكى للعراق واندماج ليبيا فى النظام العالمى، المركز الرئيسى للمعارضة الفلسطينية والفصائل المنشقة عن منظمة التحرير المناوئة «للسلطة الوطنية»، ولم تعد «بغداد» تحتفظ سوى بجماعة «مجاهدى خلق»، التى لا تعارض سوى طهران، التى كانت تستضيف فى المقابل «المعارضة العراقية الدينية». وفى المغرب العربى لم يختلف الحال كثيرًا، فالجزائر تستضيف قيادات وعناصر المعارضة المغربية من الصحراويين، بسبب الصراع على «البوليساريو»، وينال الصحراويون فى الجزائر اهتمامًا ودعمًا كبيرًا من الحكومة نكاية فى المغرب، فالخلافات تنعش أوضاع المعارضة أدبيًا وماليًا فى العواصم المتناقضة ففى دمشق خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، وهو من الشخصيات البارزة ويلقى معاملة أفضل من رئيس الوزراء وموسى أبومرزوق، نائبه، أهم من أكبر وزير فى الحكومة السورية. ظلت القاهرة تدفع أموالاً منتظمة للمعارضين العرب من جميع الدول وكانت تمنحهم رواتب شهرية لا يتمتع بها أحد من المواطنين، بخلاف المزايا الأخرى. يقول عبدالكريم العلوجى، المعارض العراقى المقيم فى القاهرة، إن ظاهرة احتواء المعارضة العربية من قبل أنظمة عربية أخرى تتراجع فى الوقت الراهن، مشيرًا إلى أن المعارضين العرب يفضلون الخروج لأوروبا إذا عجزوا عن التكيف والعيش فى بلادهم. ولفت إلى أن أغلب الدول العربية الآن هدفها التشويش على خصومها من العرب وليس قلب نظام الحكم أو تغييره مثلما كان فى الماضى، لذلك لا تستضيف سوى شخصيات بعينها الآن. وأشار إلى أن تقديم الدعم من قبل الدولة التى تستضيف معارضة ما، له أكثر من شكل فهناك دعم مباشر مثل صرف رواتب شهرية للمعارضين مثلما كان يحدث معنا فى القاهرة فى الخمسينيات والستينيات كمعارضة عراقية، إذ كان تصرف لنا رواتب شهرية تتراوح ما بين 30 و90 جنيهًا والبعض يحصل عليها حتى الآن مع بعض الامتيازات الأخرى كالإعفاءات الجمركية. أضاف العلوجى: إن هناك شكلاً آخر من أشكال الدعم كان موجودًا فى الماضى مثل الدعم من خلال تقديم سلاح أو تدريب وأموال لمجموعات معارضة، لافتًا إلى أن الأموال التى تمنح للتنظيمات المعارضة تكون «سرية» ولا يتم الكشف عنها وبعض الدول العربية كانت تدفع ملايين الدولارات لصالح هذه التنظيمات المعارضة التى تريد استغلالها. ومع غياب الرئيس عبدالناصر لم تعد القاهرة تبدى اهتمامًا بالمعارضة العربية إلا بشكل محدود، حتى عندما استضافت المعارضة السودانية فى التسعينيات كان فى إطار محدد. يقول هانى رسلان، رئيس وحدة الدراسات السودانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية. أضاف: أن فصائل معارضة جديدة ظهرت الآن تصل إلى 32 فصيلاً بعضها ضعف وبعضها موجود اسمًا فقط وتابع: إنه عندما بدأ التوتر بين القاهرةوالخرطوم بسبب موقف الأخيرة من احتلال العراق للكويت عام 1990 ثم بلغت التوترات بين البلدين مداها عندما تعرض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال فى أديس أبابا عام 1996. فى هذه المرحلة القاهرة فتحت الباب للمعارضة السودانية للتواجد فى مصر، لكن فى نفس الوقت تعاملت القاهرة مع فصائل المعارضة السودانية بحذر فقد سمحت بالمعارضة السياسية ورفضت انطلاق أى عمل مسلح تجاه السودان من الأراضى المصرية، وهذا بعكس أسمرة التى سمحت للمعارضة السودانية الموجودة فى أراضيها بالقيام بهجمات مسلحة ضد الخرطوم. أضاف: أبرز فصائل وأحزاب المعارضة السودانية فى القاهرة كان حزب الاتحاد الديمقراطى وحزب الأمة والحزب الشيوعى السودانى، والقيادات السودانية لهذه الأحزاب كانت تتحرك فى القاهرة بمنتهى الحرية مثل عثمان الميرغنى والصادق المهدى. ويوضح، الكاتب والمحلل السياسى العراقى، على الكليدار أن المعارضة العربية إما تستخدم لصالح الدولة المضيفة التى تدفع المال أو يتم طردها، وإذا أرادت تنظيمات معارضة أن تعيش فى عاصمة عربية على خلاف مع بلادها فإن عليها أن تكون تحت طوع هذا النظام أو يتم التضحية بها، وبالتالى يفضل المعارضون العرب الهروب خارج الوطن العربى سواء لأوروبا أو أمريكا لأنهم سيواجهون نفس المصير فى بلدهم وفى العاصمة العربية الأخرى التى تعادى بلدهم ظانين أنها تكون ملجأ لهم، لأن المصير الذى كان يواجههم فى بلدهم وهو السجن أو القتل أو الملاحقة المستمرة تكون فى انتظارهم إذا رفضوا أن يكونوا فى خدمة النظام العربى المعادى لبلادهم. أما الدكتور وحيد عبدالمجيد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فيقول إن هذه الظاهرة تتلاشى لأسباب موضوعية لها علاقة بالأوضاع الإقليمية والعالمية، مؤكدًا أن ورقة المعارضة واستغلالها من قبل بعض الأنظمة العربية ضد خصومها لم تعد قوية كما كانت ومثلما كان حاصلاً فى الستينيات والسبعينيات، معتبرًا أن الخلافات العربية موجودة، لكنها ليست كما كانت، فهى لم تعد خلافات متجذرة وعميقة، بل هناك الآن عوامل مشتركة بين الدول العربية أكثر من الماضى. وأضاف: «صحيح أن المصالحة العربية لم تنجح لكن ذلك سببه أنه لم تكن هناك مصالحة، بل مجرد جلسة ودية عادية لا أكثر ولا أقل».