وجدت نفسى متأثراً بدموع هذا المدرب العجوز، الذى أصابه الألم والأسى عندما ذهب لغرفة لاعبه الدولى فى سباق الدراجات صباح المرحلة الخامسة والأخيرة، فوجده متوفياً على فراشه، لقد تأثرت الملايين فى العالم حزناً على هذا الشاب البلجيكى (عمره 22 سنة) فقط، ينطق بالوسامة والحيوية والروح الرياضية، وقد تم إلغاء هذا السباق الدولى فى مرحلته الأخيرة حزناً من زملائه عليه، وأقيمت المراسم لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه بجوار دراجته التى أحبها منذ طفولته، وانهالت التساؤلات عن سبب الوفاة، خاصة أنه أكمل المراحل السابقة بدون أى مشكلة صحية، ونام ليلته مملوءاً بالنشاط والحيوية، واهتم كل أب وأم لديه ابن فى هذه السن بمعرفة سبب الوفاة المفاجئ، وتذكرت قول الله تعالى فى القرآن: «فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون». ورجعت بذاكرتى إلى جولاتى حول العالم، وكان يلفت نظرى بشدة ملايين الناس من جميع الأعمار الذين يركبون الدراجات الهوائية ويذهبون بها إلى أعمالهم وجامعاتهم وقضاء مشترياتهم، ووقفت ذات يوم فى العاصمة أمستردام أشاهد موقف الدراجات بالآلاف كل يترك دراجته، وعجبت كيف يتعرفون على دراجاتهم عند العودة، وماذا لو أخذ واحد دراجة جديدة وترك دراجته القديمة من باب الشطارة. إنها روح الصدق والأمانة بدون قوانين أو لوائح، وازدادت قناعتى بأن هناك علاقة وثيقة بين الاهتمام بركوب الدراجات وحضارة وتقدم هذه الدول، حيث إن شوارعها غاية فى المتعة للقيادة عليها، بل وصل الأمر فى ألمانيا إلى تخصيص مجرى على الأرصفة لراكبى الدراجات، وحيث إنه تربطنى علاقة قوية بالدراجة عندما كنت ضابطاً باتحاد الشرطة الرياضى، حيث كنت أركب الدراجة الخاصة بفريق الدراجات وأذهب بها لإكسابى اللياقة حتى نادى هليوبوليس لتدريب الأسكواش مع صديقى محمد عسران. وفى هذه اللحظة أطلقت العنان لنفسى أن أتخيل ما علاقتنا فى مصر بالدراجات، حيث وصل الأمر أن يكون ركوب الدراجات من الرجال والنساء والأطفال نوعاً من المغامرة فى الشارع المصرى، وقد ساعد على ذلك أن الشوارع غير مهيأة لركوب الدراجات عليها بأمان، ولا توجد نظرة احترام من المجتمع لمن يركب الدراجة، فصفوة المجتمع لجأت إلى الدراجات الثابتة التى لا تتحرك وذلك فى أندية اللياقة البدنية. لقد وجدت أن علاقتنا بالدراجات تقتصر على ثلاثة مشاهير أولهم عمال المجارى الذين يحملون مواسير التسليك ويذهبون بها إلى أحواض المجارى، وثانيهم حامل أرغفة العيش الشهير لتوصيل آلاف الأرغفة على دراجته، وقد تابعت بالصدفة من سيارتى أبرعهم على الإطلاق، وعندما اقترب منى طار رغيف فى الهواء ونزل على الأرض فقلت هذا المشهد يستحق المتابعة، كان يستحيل على قائد هذه الدراجة الوقوف والنزول لالتقاط رغيف العيش فقام بحرفية بالغة بالدوران لاكتساب الوقت مهدئاً من سرعته وكأنه يعطى إشارة إلى أولاد الحلال بالتحرك لمساعدته، وقد تحقق مراده دون أن ينادى أو يستنجد بأحد. إنها شهامة أولاد البلد الذين تسابقوا فى التقاط هذا الرغيف من على الأرض لوضعه على رأسه ليستكمل مشواره بدون فرامل. إنه مشهد لا يوجد له مثيل فى العالم، ويجب أن يشجعنا ذلك على أن يكون للدراجات اهتمام على مستوى الممارسة أو البطولة، أسوة بالعالم الآخر الذى مهد شوارعه لأن تتفجر عليها طاقات البشر دون أن ينكسر العمود الفقرى لراكب الدراجة بسبب المطبات الصناعية والطبيعية. إنها فرصة أنه غاب على المشرع فى قانون المرور الجديد أن يلتفت بأى صورة أو بأى عقوبة على راكب الدراجة حتى فى حالة السير فى الممنوع. لقد سعدت بأن مصر تنظم سباقاً دولياً للدراجات على ساحل البحر الأحمر وهو السباق الذى راح ضحيته لاعب مصرى من قبل، الدول المشاركة ليست من عتاولة اللعبة، وأتمنى أن يكون الجمهور على الصفين، نريد سباقاً دولياً يجرى فى شوارع مصر ومحافظاتها، إن رياضة سباق الدراجات تنفرد بأن أبطالها يذهبون إلى الجمهور فى الشوارع وليس العكس، إن الذى صمم شوارع مصر وأرصفتها كان بارعاً فى قتل متعة قيادة أو سباق الدراجات عليها لجميع أفراد الشعب.. لقد إنحاز إلى «التوك توك» والدراجات البخارية لتوصيل الطلبات للمنازل.