«نحن نحتاج إلى جهاد جديد فى العالم العربى» بهذه الكلمات دعا الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل عام 1999 إلى تحقيق «نهضة فى المنطقة، وقال: «نحن نحتاج لنهضة، ومن يقل غير ذلك يضحك على نفسه، نحن لا نحتاج إلى أسبرين، بل إلى علاج كامل يؤدى إلى نهضة». وأوضح زويل، فى محاضرته السنوية أمس الأول بصالون الأوبرا الثقافى الذى يديره الكاتب الصحفى أسامة هيكل، أن مقومات تحقيق هذه النهضة تتطلب العمل على الدستور لتحقيق حكم عادل، وتطبيق القانون على الجميع، وتحديث التعليم والبحث العلمى، وتحديث الثقافة مع الحفاظ على الهوية والعقيدة والقيم، مؤكدا أنه «لن يحدث رخاء اقتصادى دون نهضة فى التعليم والبحث العلمى». وقال زويل، فى محاضرته والتى تحمل عنوان «ثروات الأمم وثروات الفكر»، إن كبرى الشعوب تصنع بمثقفين يقفون فى مقدمة المجتمع، منتقدا استغراق المثقفين العرب فى الماضى وفى الحديث عن الخلافات والأيديولوجيات والتاريخ، محملا هؤلاء مسؤولية عدم التقدم لأنهم حسب قوله «مازالوا يعيشون فى الماضى الملىء بالخلافات والأيديولوجيات القديمة البالية، وهو الأمر الذى لا تحتاجه شعوبنا». وأضاف زويل، فى المحاضرة التى ألقاها فى المسرح الكبير بدار الأوبرا والذى امتلأ بشخصيات عامة بينهم الفنان محمود ياسين، «مصر اليوم تحتاج إلى صناعة المستقبل بنزاهة الكلمة وشرف المهنة، وبعودة الضمير وعودة الروح تكتمل قوة الفكر، وليس لدى أدنى شك أن مصر قادرة على صناعة المستقبل»، مشيرا إلى أن «عشوائيات الفكر وفساد المال والسلطة وتراجع القيم أمور لن تؤدى إلى نهضة وسنبقى كما نحن»، على حد تعبيره، واستشهد بمقولة أحد العلماء «أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هو أن نصنعه بأنفسنا». وأشار زويل إلى أن مصر قبل 50 سنة كان لها رؤية حيث كانت تضع البحث العلمى والتعليم تحت مسمى وزارة المعارف، موضحا أن هناك ثلاثة أنواع من القوى تعتمد عليها الدول للنهضة، وهى القوة السياسية وقوة المناخ وقوة العلم. وقال إن «الصين ليس لديها ديمقراطية لكنها نجحت بقوة العلم والبحث العلمى وهذا لا يعنى أن بإمكانها أن تكمل الطريق»، أما الولاياتالمتحدة «فنجحت بقوة الحكم وحرية الفرد فى الإبداع»، بينما تملك دول الخليج قوة المناخ الذى وفر لديها تربة صالحة لإنتاج البترول. وأشار العالم المصرى إلى أنه قرأ مؤخرا كتابا باللغة الإنجليزية يتحدث عن الحضارتين الإسلامية والعربية فى الأندلس، ويقول إن أهم مميزاتها كانت الرؤية والعدل فكان القاضى فوق الحاكم والقانون فوق السلطة. وتعرض زويل خلال محاضرته إلى البحوث العلمية والتطورات التكنولوجية الحالية التى يعمل على تطويرها العلماء حاليا فى الولاياتالمتحدة، مقدمًا مثالا لبعض الإنجازات العلمية بجامعة «كالتاك»، التى يعمل بها. وأشار زويل إلى أن الغرب حاليا يبحث عن مسارات جديدة للعلم لم يتم التطرق إليها من قبل لاكتشاف العالم غير المرئى فى الخلايا والذرة. وقال «إن العلماء فى «كالتاك» يقومون بتطوير ميكروسكوب رباعى الأبعاد قادر على رصد شعرة الإنسان وتكبيرها حوالى مليون مرة لرؤية جزيئات لم تر من قبل، كما يقوم العلماء بتطوير تليسكوب ينتج بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا حجم العدسة به يبلغ 30 مترا بتكلفة تصل إلى مليار دولار. وأوضح زويل أن هذا التليسكوب قادر على رصد كواكب ومجرات بعيدة جدا سترجع بنا إلى شكل الأرض والكواكب التى حولها قبل 10 مليارات سنة ماضية، مشيرا إلى أن الغرب يتطلع لاكتشاف عوالم جديدة ومستعمرات قابلة للاستغلال وموارد طبيعية جديدة يمكن معها الحياة كما هو الحال على كوكب الأرض. وقال إن العلماء يحاولون أيضا السيطرة على عمليات الإدراك والوعى داخل مخ الإنسان ومحاولة الكشف عن 10 مليارات خلية داخله تتفاعل مع بعضها بدقة متناهية وسرعة غير محسوبة، مشيرا إلى أن العلماء يحاولون السيطرة على الخلايا وعلاج المريض منها بأساليب متطورة منها «خدمة توصيل العلاج للخلية». وعن ثورة الإنترنت، كشف زويل عن ثورة جديدة سيصبح معها الإنترنت بشكله الحالى أسلوبا كلاسيكيا قديما وتسمى «كوانتم إنتانجل نت»، وهو رصد العالم غير المرئى كالجزيئات بسرعات غير متناهية للبحث عبر الإنترنت دون أسلاك وكابلات بحرية أو خطوط اتصالات. وقال إن هذا الأسلوب الحديث «الكوانتم» لرصد العالم غير المرئى تستخدمه الدول المتقدمة فى الاقتصاد وحتى فى الحروب، وهى أساليب متقدمة عن نظريات أينشتين الكلاسيكية للحركة والتى ترصد حركة الإنسان العادى، وأعطى مثالا لما شاهده العالم خلال حرب غزة عندما استخدم الاحتلال تكنولوجيا «الكوانتم» كالفسفور الأبيض، والدايم وهو عبارة عن ملايين الخناجر المسنونة والحادة متناهية الصغر قادرة على بتر الأعضاء البشرية وتهتكها. وأشار زويل إلى أن العالم كان يشغله فى الماضى «الجين» أما الآن فهناك «المين»، وهو الرمز الذى يشير إلى السمات الثقافية للشعوب والتى تنتشر بنفس قوة الجينات وتمثل الخواص الثقافية لشعب معين لتساعده على التقدم أو تؤثر فيه فيتراجع. وعقب انتهاء المحاضرة تحول الصالون إلى منتدى فكرى شارك فيه عدد كبير من المفكرين، حيث عبر الشاعر فاروق جويدة عن مخاوفه من الشظايا الصغيرة التى تخترق جسم الانسان ومن التقدم العلمى فى صناعة الكمبيوتر، والذى «يتدخل فى خصوصيات البشر». وقال جويدة: إن حديث زويل أرهقنى، وجعلنى أفكر فى أن الكمبيوتر الذى أخفى فيه بعض أسراره وأشعاره «خوفا من ضابط شرطة أو سجان سخيف سيصبح مستباحا»، مشيرا إلى أن هذه الاختراعات «ستكون أكبر خدمة للأنظمة العربية التى ستسطيع معرفة كل شىء عن المواطنين دون الحاجة لأجهزة تفتيش». وأضاف: «هذه الاحتراعات ستضع عشرات المخبرين فى غرفة نومى»، معرباً عن قلقه من استباحة «المين» الثقافى. وقال «ليس مطلوباً منا أن نكون نسخة موحدة فالخالق جعلنا مختلفين». وأجابه زويل بالقول إن العلم «سلاحاً ذو حدين»، ضاربا المثل بالسكين التى إن لم نحسن استخدامها نقطع أيدينا»، مؤكدا أنه لا يوجد أحد يستطيع إيقاف الثورة العلمية، ومشيرا إلى أن أى «شاب عمره 14 سنة سيكون بمقدوره معرفة كل شىء على كمبيوتر جويدة». وتحدث الدكتور محمد غنيم، أستاذ أمراض الكلى، عن أن هناك دولاً غير ديمقراطية مثل كوالالمبور وكوريا الجنوبية استطاعت النجاح، مشيرا إلى أن الشاعر حافظ ابراهيم كتب قصيدة ما زالت تعبر عن الوضع الحالى فى مصر، مشددا على أهمية الاهتمام بالبحث العلمى. وقال زويل «لو رفعت ميزاينة البحث العلمى فى مصر عشر مرات، فلن تكون هناك نتيجة»، مشيراً إلى ضرورة توافر مقومات البحث العلمى، وهى حرية الفكر والإبداع، والقدرة المعيشية، والحياة الكريمة للباحث، والتقدير، وقال: «ليس من الممكن أن يتقاضى من يعمل ومن لا يعمل نفس الأجر بموجب القانون». وقال الكاتب والمفكر الدكتور السيد يس «إن مجتمع المعلومات يعتمد على الديمقراطية والشفافية وحرية تداول المعلومات، وهذه أشياء غير متوفرة فى مجتمعنا»، مشيرا إلى أن مشكلة مصر تكمن فى «عدم وجود علوم استراتيجية». وأضاف «عدم وجود علوم استراتيجية هو السبب فى تذبذب السياسات وعشوائية اتخاذ القرار،» مشيرا إلى أنه لا يمكن لمجتمع يسوده التفكير الخرافى أن يتقدم. وأوضح يس أن هذا يظهر بتحليل مضمون الفضائيات العربية وما تقدمه، وكمية الكتب الدينية المنتشرة فى السوق والتى تعتمد على القياس الخاطئ. وقال زويل «رغم كل هذه المشاكل التى أعرفها، متفائل متفائل لأسباب تاريخية وواقعية»، مشيرا إلى أن التاريخ المصرى يتحدث عن فترات هبوط وازدهار، ووجود هذا العدد الكبير من الشباب اليوم الذى يحضر الندوة يعطى أملاً فى المستقبل. وأشار إلى أنه زار أبناء مدبولى، صاحب دار النشر الشهيرة، لتعزيتهم وسألهم عن أكثر الكتب مبيعًا، وقال «كنت أظن أنهم سيقولون لى كتابك عصر العلم، أو أشعار فاورق جويدة، لكنهم قالوا لى إنها كتب الأبراج»، مضيفا: «على الرغم من ذلك ما زلت متفائلاً، فأوروبا فى العصور الوسطى كانت أسوأ». وأكد زويل أن الشباب هم صناع المستقبل، والشعب المصرى يبحث عن «شمعة»، هذه الشمعة عبارة عن مشروع قومى مضىء يلتف حوله المصريون، و«أجزم أن التغيير سيكون للأفضل وفى مدة بسيطة سيفاجأ الجميع». وقال جويدة « مصر قادرة على صياغة شىء اسمه المصرية»، معربا عن انزعاجه من موقف المثقفين المغرقين فى الماضى والأيديولوجيات والصراعات بين النخبة ورجال الأعمال . وأضاف: «الخلل فى المجتمع المصرى ليس خللاً فى السلطة فقط، بل خلل فى الشعب نفسه، والمثقفون يتحملون جزءاً من المسؤولية عما وصلنا اليه». وعاد زويل ليؤكد أن مصر تحتاج إلى رؤية واضحة وإرادة قوية لتحقيق النهضة. وفى ختام اللقاء قام زويل بتقديم جائزة الإبداع الفنى التى تحمل اسمه إلى الفائز بها هذا العام وهو إسلام محمد رفعت الطالب بالمعهد العالى للموسيقى، والذى اختير عبر لجنة تحكيم برئاسة الدكتورة رتيبة الحفنى والموسيقار منير الوسيمى والفنانة عفاف راضى، كما قدمت دار الأوبرا للدكتور زويل درعها تقديرا لدوره وعطائه العلمى، واحتفالا بذكرى ميلاده التى تصادف الأسبوع المقبل. وحرصت دار الأوبرا على إتاحة الفرصة للجميع لحضور محاضرة زويل، فوفرت شاشات عرض فى المسرح الصيفى الذى امتلأ بما يقرب من 4 آلاف شخص إضافة إلى حضور المسرح الكبير.