ظاهرة عجيبة غريبة، لا تنسجم مع المنطق، ولا مع التفكير الحر والديمقراطية، والرأى الآخر، وحرية التعبير.. التى يتباهى بها الغرب «الدول الأوروبية وأمريكا»، ونقصد: ممنوع على الفرد فى هذه الدول، كائنا من كان، انتقاد سياسات إسرائيل، وتاريخها، والتشكيك فى أرقام الهولوكوست، أو حتى المطالبة بأن يخضع هذا الكيان لأحكام القانون الدولى، وميثاق الأممالمتحدة، وأن يحترم حقوق الإنسان. المواطن الأوروبى بإمكانه أن يشكك فى وجود البارى عز وجل، أو أى من الأنبياء، ولكن ليس مسموحا له، حتى لو كان من باب البحث العلمى والتاريخ، أن يشكك فى أرقام الهولوكوست.. وهذا يذكرنا بما تعرَّض له مفكرون كبار من اضطهاد، لأنهم شككوا فى أرقام المحرقة، وعلى رأسهم المفكر الفرنسى جارودى، وغيره كثيرون. وبالأمس أقدم الفاتيكان على فصل أحد الأساقفة العاملين فى الكنيسة الكاثوليكية بالأرجنتين، لأنه شكك فى أرقام الهولوكوست، واعتبر أن الذين تعرضوا للموت فى أفران الغاز النازية ما بين 200 و300 ألف، وليس كما تدعيه الصهيونية أكثر من ستة ملايين. فى هذا الصدد لابد من التذكير بعبارة «لا سامياً» «ومعاد للسامية»، التى تطلقها اللوبيات الصهيونية على كل من تجرأ، وانتقد الجرائم الإسرائيلية، والمجازر التى تقترفها عصابات الصهيونية بحق شعبنا الفلسطينى، منذ نشأة الكيان الصهيونى وإلى اليوم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى اعتبار من يطالب بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، والأممالمتحدة معادياً لإسرائيل، والمفارقة العجيبة أن الصحفى الأمريكى أو البريطانى أو الفرنسى.. إلخ، قادر على أن ينتقد سياسة حكومته، انتقاداً لاذعاً، وقادر على أن يكشف عن بؤر الفساد، إن وجدت. وهذا يذكرنا بفضيحة «ووترجيت» التى كشفت عنها واشنطن بوست، وفضيحة «كلينتون لوينسكى» التى تناولتها الصحافة بأدق التفاصيل المقززة، وكثير من الفضائح التى تعج بها الصحف الأوروبية، وتتسابق فى إبرازها، خاصة إذا كان المتورطون من كبار المسؤولين، فى حين لا تستطيع أى من هذه الصحف أو الفضائيات أن تكشف عن فظائع مذبحة غزة البشعة، وصور الأطفال الأبرياء الذين قضوا تحت الدمار، أو بفعل الأسلحة المحرمة، والشهادات الموثقة حول هذه الأسلحة التى استعملها جيش العدو. لا نريد أن نستعرض أسباب كل ذلك، واللوبيات الصهيونية المؤثرة، وخاصة بعد سيطرتها على صناعة الإعلام والسينما.. إلخ. ولكن أن يصبح هذا الأمر ظاهرة فى طول العالم وعرضه، وخاصة - كما أسلفنا - فى أوروبا وأمريكا، فهو فى تقديرنا السبب الرئيسى لتمرد العصابات الصهيونية، ورفضها الالتزام بقرارات الشرعية الدولية. ورغم كل ذلك، نجد مفكرين وصحفيين ومؤرخين فى أوروبا وأمريكا وغيرها، رفضوا هذا الواقع، وأصروا على السباحة ضد التيار، وكشفوا المستور، وخطورة سيطرة المتصهينين على مفاصل القرار فى أمريكا كما حدث إبان فترة رئاسة بوش الابن من 2000 إلى 2008 وخطورة أن تبقى واشنطن أسيرة المعايير المزدوجة. باختصار.. إن نهج التطرف الذى تسلكه إسرائيل، وسيطرته على كل مفاصل الحياة، يشكلان بداية النهاية لهذا الكيان، وسيأتى يوم يصحو فيه العالم على الحقيقة، وحينها لا يجد العدو مكاناً له تحت الشمس. نقلاً عن صحيفة الدستور الأردنية