ليس ثمة تلاق بين السياسة والقضاء، وإذا حدث وتعانقا، فالاثنان فى ورطة، لأن السياسى ما أن يتقمص دور القاضى يضيع دوره ويسقط فى متاهة الشك، وحين يرتدى القاضى عباءة السياسى يفقد على الفور حياده المطلق ويصبح محل شك. فالسياسة هى الانحياز والمراوغة، والقضاء هو الحياد والوضوح. ومن هذا المنطلق وعلى أساسه يجب أن تجرى انتخابات نادى القضاة اليوم.. لا سياسة فى القضاء، ولا قضاء فى السياسة، وعلى القضاة أن يعلموا أنهم النموذج والقدوة، وأن السنوات العجاف يجب أن تنقضى بحلوها ومرها، وأن عودتها ثانية سيصيب الوطن كله قبل القضاة.. وليعلم الجميع أن تجربة الإشراف على الانتخابات كانت أروع تجربة سياسية منذ ثورة يوليو وحتى اليوم، وأنها كانت وليدًا رضيعًا يحتاج إلى الرعاية والحماية، لا الصدام والدعوة إلى التدويل لمجرد حدوث بعض الخروقات، التى كانت تحتاج إلى التقييم والعلاج لا التهليل والتوعد، ما جعل الرعب يدب فى القلوب التى فيها زيغ، ونزع حق لن يطاله الشعب المصرى قبل سنوات طويلة، وأصبح التزوير المحدود تزويرًا كاملاً. ويجب ألا تتحول قيمة قانون القبول فى النيابة العامة بتقدير جيد على الأقل إلى شماعة أو تهمة ارتكبت فى حق أبناء القضاة، وأنها كانت الثمن لقانون المد السابق الذى خدم القضاة جميعا، ولم يضار منه شخص واحد، بل إن وجود شخص مثل مقبل شاكر شيخا للقضاة كان صمام أمان، وأن ما فعله خلال رئاسته لمجلس القضاء الأعلى كان كبيرًا، خصوصًا أنه جاء فى فترة كان القضاة فيها فى أودية شتى، فدعاهم حيث عزهم وشموخهم، ولم يباه بما قدم ونسبه البعض لنفسه فى برامج انتخابية، لأنه بوقوفه ضد خلط السياسة بالقضاء منذ 1968 حين فصل من القضاء وحتى اللحظة الراهنة، وهو يضع قاعدة راسخة أساسها أن دور القاضى المنزه أعظم مئات المرات من دور السياسى صاحب الأهداف والأغراض. وأنا من المؤمنين أن السياسة وأن بعض الجماعات التى أدخلت قضاء مصر فى السياسة جرته إلى صراعات وقسمته إلى مستقلين وموالين وإصلاحيين ورجعيين، رغم أن القضاء واحد وتقسيمه بهذه الصورة يعنى انهياره. فوشاح القضاء وسام شرف على جبين الوطن فى داخل قاعات العدل، وفوق المنصات التى ينتظرها كل الضعفاء والمقهورين، وحين يخرج للشارع يتساوى برايات نختلف معها ونرفضها أو نقبلها لأنها شارة نزلت من ساريها العالى وهبطت حيث يتنازع الناس ويختلفون، أما القول بأن هذا حدث عام 1932 برئاسة عبدالرزاق السنهورى، رئيس مجلس الدولة، فيكفى أن نعلم أن مجلس الدولة أنشئ سنة 1946 . فى انتخابات اليوم، يجب أن تخرج السياسة ويدخل القضاة، يجب أن يعرف الشعب المصرى أن قضاته غير منشغلين إلا بقضاياه وتحقيق العدالة بين الناس، وأنهم فوق كل المهاترات. يجب أن تعود الهيبة والعزة للقضاء والرفعة للقضاة، وأن يكونوا متحدين لا مستقلين ولا منحازين. يجب أن يجرى التفكير فى الارتقاء بحياة القاضى مهنيًا واجتماعيًا، بحيث يتمكن من أداء عمله فى ظروف مواتية، أى لا ينشغل بلقمة العيش أو بالانتماء لطرف على حساب طرف، يجب أن تُنسف الشعارات التى لم تتغير ولم تتبدل منذ 7سنوات، وتسببت فى شروخ بارزة فى البنيان القضائى العريق، وأن ينظر القضاة خلفهم بتمعن وأمامهم بتدبر.