رغم فوز اللحظة الأخيرة الذى حققه حزب «كاديما» الوسطى فى الانتخابات الإسرائيلية، حصد مجمل اليمين الإسرائيلى على حوالى 60 مقعدًا من إجمالى 120 فى الكنيست، ليحقق بذلك التيار القومى الدينى اكتساحًا غير مسبوق على الساحة الحزبية الإسرائيلية، مخترقًا الأحزاب التقليدية، التى خرج منها حزب «العمل»، معلنًا اعتزامه عدم المشاركة فى الحكومة الائتلافية المقبلة، ليتفرغ لإعادة ترميم حزبه ول «الاستفادة من أخطائه». هذا الصعود الصاروخى لليمين، لم يقتصر على فوز اليمين التقليدى، ممثلًا فى «الليكود»- كما توقع المراقبون- إذ امتد إلى حزبى «إسرائيل بيتنا» و«شاس»، حيث انتزع الأول المركز الثالث من حزب العمل، مطيحًا به إلى المركز الرابع، وهو ما قوبل فى بورصة الانتخابات الإسرائيلية بهبوط لتيار اليسار، بل والوسط، الذى لم يفز على خصمه «الليكود» سوى بفارق مقعد واحد، الأمر الذى خلف الكثير من القلق حول لحظة «الإغلاق» التى سيُحسم بها التشكيل النهائى للحكومة المقبلة، سواء بقيادة «الليكود» أو «كاديما»، وهو التشكيل الذى لن تؤثر تداعياته على المجتمع الإسرائيلى الداخلى فحسب، وإنما سترتد انعكاساته العنيفة إقليميًا ودوليًا، خاصة فى ظل موجة اليمين المتصاعدة أيضا أوروبيًا، فى عودة لما لم يتردد الكثير من وسائل الإعلام فى تسميته «معاداة السامية». فاقت تلك النتائج توقعات كل من راهنوا على تداعيات حرب غزة، التى ألقت بظلالها القاتمة على الشارع الإسرائيلى، فللمرة الأولى يحتل «إسرائيل بيتنا» المركز الثالث، وللمرة الأولى أيضا يحقق حزب «شاس» طفرة بدخوله مربع الأحزاب الكبيرة، التى يمكن أن تحجز لنفسها مكانًا مميزًا فى أى ائتلاف حكومى مقبل. ولاشك أن الخصم الجديد الذى ظهر لنتنياهو فى تلك الانتخابات هو أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، الذى عمل صعوده وبزوغ نجمه على الساحة السياسية خلال الفترة القليلة الماضية على تشتيت أصوات اليمين، التى جنحت أكثر تشددًا باتجاه اليمين المتطرف، بعد أن كانت من الممكن أن تؤمن لنتنياهو فوزًا مريحًا لحزبه «الليكود». إلا أنه رغم الفوز الذى حققته ليفنى فى اللحظة الأخيرة، ووفقا لمؤشرات الأرقام، فلايزال من المتوقع أن يعمد الرئيس شيمون بيريز إلى تكليف خصمها نتنياهو بتشكيل الحكومة، بالرجوع إلى إخفاقها السابق فى تنفيذ المهمة نفسها، خلفًا لأولمرت، وهو الفشل الذى أدى بها إلى تلك الانتخابات المبكرة، علما بأن المعادلة السياسية الآن تحولت أكثر لصالح اليمين، بصعوده التاريخى، وبخسارة كاديما لمقعد، مقارنة بانتخابات 2006، وبخروج حزب «العمل» من الحلبة السياسية وجلوسه على مقاعد المعارضة لحين إشعار آخر. هذه المؤشرات، ومعها حوالى نصف مقاعد الكنيست التى راحت بأكملها لأحزاب اليمين المتطرف (إسرائيل بيتنا، وشاس، وتحالف البيت اليهودى، والاتحاد القومى) إلى جانب حزب الليكود، تجعل الأيام المقبلة تحمل فى أفقها تركيبة سياسية جديدة على الساحة السياسية فى إسرائيل، أبطالها تيار من يمكن تسميتهم «اليمينيون الجدد»، وهى تركيبة تشكل خليطًا بين علمانية «الليكود» وتدين «شاس» وعنصرية «ليبرمان»، لكنها فى الوقت نفسه تركيبة مرتدة إلى ما يعرف ب «الكاهانية»، لصاحبها الحاخام مائير كاهانا، مؤسس تنظيم «كاخ» اليهودى الإرهابى، كحركة دينية سياسية حتى وإن كانت تحت مسميات جديدة، وهى الحركة التى كانت تنادى بطرد العرب من إسرائيل، وبناء الدولة وفق القوانين التوراتية، حتى تم حظرها تمامًا عام 1988 بتهمة العنصرية.