دخل مجلس الدولة دائرة الضوء بجدارة بعد رحيل رئيسه السابق المستشار سيد نوفل وحدوث نزاع حول الرئيس التالى حتى استقر الأمر عند المستشار نبيل ميرهم، وبدأنا نسمع ونقرأ عن التحقيق مع عدد من مستشارى المجلس وفصل بعضهم لمخالفتهم القوانين واللوائح والعمل فى عدة جهات أخرى. وأعقب ذلك صدور عدة أحكام مدوية، أغلبها ضد الحكومة، عكس ما كان يحدث فى السنوات السابقة، والتى كان يعتقد البعض خلالها أن المجلس «تحت السيطرة»، وأن هناك أحكاماً سياسية، حتى وصلنا إلى الأحكام الأخيرة الخاصة بمنع تصدير الغاز لإسرائيل، ومنع قوافل الإغاثة من دخول غزة، وبقاء الحرس الجامعى. لنقرأ مرة أخرى أن القاضى مصدر الأحكام يعمل مستشاراً فى رئاسة الجمهورية، مما يثير الشبهات حول الأحكام ويهز هيبة مجلس الدولة التى لا نرضى ولا نقبل لها الاهتزاز، ونتمنى صدور تكذيب واضح من مجلس الدولة ورئاسة الجمهورية لما تردد. كل ما سبق له علاقة مباشرة بما نشرته جريدة «الشروق الجديد» فى عددها أمس، عن قرار المجلس الخاص بمجلس الدولة، وهو أعلى سلطة به، بعدم السماح بعودة المستشارين أحمد عبداللطيف وسيد زكى، نائبى رئيس مجلس الدولة إلى عملهما لاتهامهما بتلقى رشاوى من رجل الأعمال فريد خميس لإصدار أحكام لصالحه ضد رئيس الجمهورية ووزراء السياحة والتعليم والمالية. المستشار الأول - حسب تصريحات عضو المجلس الخاص المستشار عادل فرغلى - أصدر خمسة أحكام قضائية لصالح خميس تقضى بإلزام الرئيس بالموافقة على إنشاء الجامعة البريطانية، والتزم الرئيس وأصدر قراراً جمهورياً لتنفيذ الحكم، كما ألزم وزير المالية برد رسوم قدرها 18 مليون جنيه لشركة «النساجون الشرقيون». الغريب أن التحقيق توقف فى هذه القضايا، وتم إخلاء سبيل المتهمين على الرغم من أن المستشار المتهم تم ضبطه متلبساً بتقاضى الرشوة فى الطريق العام. فإذا كانت الجريمة ثابتة فى حق المستشار عبداللطيف وقبلت استقالته، فلماذا لم تتم محاكمته، ولماذا حفظت قضايا الرشوة؟ وهل بعد إصرار مجلس الدولة على الفصل يجوز وقف التحقيقات فى قضايا الرشوة وما ترتب عليها؟!.. عموما لابد أن ننتظر حتى إنتهاء التحقيقات فى القضية لاسيما أنه صدر بشأنها قرار من النائب العام بحظر النشر. يقول مصدر قضائى بمجلس الدولة ل«الشروق»: «بغض النظر عن التصرف النهائى فى القضية، لم يعد من الممكن الموافقة على إعادة قاضيين تحوم حولهما الشبهات». وهى نفس الشبهات التى تحوم حول عدد من القضاة - المحترمين - ليس فى مجلس الدولة فقط، ولكن فى القضاء العادى، بسبب عملهم مستشارين فى جهات حكومية مختلفة بزعم الاستفادة من خبراتهم، ولا أعرف لماذا إذن وجود هيئة قضايا الدولة، ولماذا لا يستقيل هؤلاء القضاة ويتفرغون لهذه الجهات الحكومية درءا للشبهات؟ إن الحديث عن فساد القضاة، خاصة إذا كان لحساب الحكومة أو لبعض رجال الأعمال، يثير الإحباط لدى العامة ويشعرهم بعدم الأمان، ليس من منطلق شخصى فقط، ولكن خوفاً على مستقبل مصر، فالجميع ينظر إلى القضاء - مع كل ما يثار حوله الآن - على أنه القلعة الأخيرة لحماية الوطن، خاصة بعد أن أصبح بعض حماة القلعة هم لصوصها وخونتها!! [email protected]