فى فبراير 2002، سافرت إلى المملكة العربية السعودية، حيث أجريت حوارا مع الملك عبدالله - ولى العهد آنذاك - فى مزرعة الخيول الخاصة به فى الرياض، حينئذ تحدثت مع العاهل السعودى عن القمة العربية التى عقدت فى العام نفسه، وسألته لماذا لا تقدم هذه القمة طرحا لإسرائيل، يتضمن السلام الكامل، والتطبيع مع ال 22 دولة العربية، مقابل الانسحاب الكامل من «كل أرض محتلة»، وإقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما عقب عليه بتعليقه إننى أقرأ أفكاره، ثم برهن عليه بالمبادرة التى طرحها بعد ذلك بالفعل تحت اسم خطة السلام السعودية. ولسوء الحظ، فشلت إدارة بوش، وكذلك الحكومة الإسرائيلية فى استثمار تلك المبادرة والبناء عليها، لتتدهور منذ ذلك الوقت الأوضاع على نحو خطير فى المنطقة، لدرجة جعلتنى أتساءل عن التعديلات التى يمكن للملك عبدالله أن يدخلها الآن على هذه المبادرة، لو طلب منه ذلك، فى محاولة للتكيف مع مستجدات تلك الأوضاع. وبما أننى سعيت إلى إجراء حوار ثانٍ معه دون جدوى، نظرا لما أبداه من تحفظ شديد هذه المرة.. فلم يسعنى الآن سوى أن ألجأ إلى الحيلة الثانية، ألا وهى محاولة قراءة أفكاره من جديد، لذا فقد كتبت هذا الخطاب الافتراضى، الذى تصورت أن الملك عبدالله يحمله فى درج مكتبه للرئيس الأمريكى باراك أوباما، تحت عنوان «عبدالله 2: خطة الدول الخمس للسلام العربى - الإسرائيلى». عزيزى الرئيس أوباما.. تحية طيبة وبعد.. أهنئك بمناسبة تنصيبك، رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية، وأحييك على سرعة قيامك بإيفاد رجلك الطيب، جورج ميتشل، مبعوثا للسلام فى منطقة الشرق الأوسط، ومن كل قلبى، أتمنى أن ينطلق ميتشل فى مهمته من حيث انتهى قبل 8 أعوام، خاصة وأن وفاة الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات، وتدهور السلطة الوطنية الفلسطينية من بعده فى الضفة الغربية، وحرب 2006 التى اندلعت بين حزب الله وإسرائيل على الأراضى اللبنانية، ثم حرب 2009 بين حركة حماس وإسرائيل فى قطاع غزة، واستمرار التوسع الاستعمارى للمستوطنات فى الضفة، فضلا عن النفوذ المتزايد لإيران مع حماس وحزب الله، كل ذلك خلق واقعا جديدا مختلفا كل الاختلاف عن ذى قبل. وأخص فى حديثى هذا السلطة الفلسطينية التى لم تعد اليوم فى وضع يسمح لها بالإمساك بزمام الأمور فى الضفة الغربية، و«حماس» بدورها غير قادرة على إدارة قطاع غزة، كما أن الصواريخ التى تمد بها إيران «حماس» باتت تعطل انسحاب إسرائيل من الضفة، خشية انتقالها إلى هناك، ومن ثم استهداف مناطق إسرائيلية أعمق، قد تصل إلى مطار تل أبيب الدولى، ولكن فى الوقت نفسه، لو سكتنا على تلك الأوضاع، فسيلتهم المستوطنون الصهاينة باقى أجزاء الضفة والقدس، فماذا عسانا نفعل سيدى الرئيس؟ من جانبى، أقدم لك اقتراحا اسميه «حل الخمس دول» ويتضمن النقاط التالية: أولا، توافق إسرائيل مبدئيا على الانسحاب من كل شبر من الضفة الغربية، بما فى ذلك الأحياء العربية فى القدسالشرقية، كما فعلت فى غزة، أما أى جزء تعتزم إسرائيل الإبقاء عليه لمستوطنيها، فسيكون عليها مقايضته - شبرا بشبر - من الأراضى الإسرائيلية. ثانيا، يتوافق الفلسطينيون - «فتح» و«حماس» - على تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن تقبل تلك الحكومة بعد ذلك، نشر عدد محدود من قوات الجيش والشرطة المصرية، لمساعدة الفلسطينيين فى تأمين قطاع غزة، ومراقبة حدوده، فضلا عن قبولها نشر قوات جيش وشرطة أردنية مماثلة فى الضفة الغربية، للغرض نفسه، ثم توافق تلك الحكومة على «برنامج مساعدة أمنية» لمدة 5 أعوام، للقوات المصرية فى غزة، والأردنية فى الضفة، وخلال تلك المدة التى ستتولى فيها مصر والأردن مهمة حماية ومراقبة الحدود، سيتسنى للفلسطينيين التركيز على بناء مؤسسات دولتهم الأمنية والسياسية، تمهيدا لاستقلالهم التام، بنهاية الأعوام ال 5. ثالثا، أما إسرائيل فستعمل طوال هذه السنوات على الانسحاب المرحلى من جميع مستوطنات الضفة والقدس العربية، فيما عدا تلك الأجزاء التى سيتم التوافق على مقايضتها بين الجانبين، مع مراعاة عنصرى الأمن والسيادة، على أن تكون الولاياتالمتحدة هى الحكم الوحيد فى تلك المسألة. رابعا، تتكفل السعودية بجميع نفقات الوصايتين المصرية والأردنية، علاوة على دفع مليار دولار سنويا لكلا الدولتين، مقابل خدماتهما، فضلا عن كل ما تتطلبه ميزانية السلطة الفلسطينية، وستتم صياغة هذه الخطة بكل تفاصيلها، وفقا لقرارى مجلس الأمن الدولى رقمى 242 و 338 وبرعاية المنظمة الدولية. وأهم ما يميز هذه الخطة، التى تجمع 5 أطراف (فلسطين ومصر والأردن وإسرائيل والسعودية)، هى أن القاهرة وعمان، اللتين وقعتا اتفاقية سلام مع إسرائيل، ستلعبان دور الضامن المؤقت لعدم تسبب الانسحاب الإسرائيلى فى إحداث أى فراغ سياسى على الأرض، سواء فى الضفة أو فى غزة أو فى القدس، وهو ما قد يهدد إسرائيل. كما أن إسرائيل ستتمكن من تنفيذ انسحابها بشكل مرحلى من المستوطنات، بينما يستطيع الفلسطينيون بناء دولتهم بطريقة منظمة، فضلا عما سيمثله ذلك من حل مثالى لإيقاف إيران عند حدها، ولجم محاولتها ل»فرسنة» القضية الفلسطينية. سيدى الرئيس، طرأت على الساحة الكثير من المستجدات التى أدت لاستحالة العودة إلى حل الدولتين، وإذا سعينا لذلك فسنكون كمن يحاول بناء منزل بطوب لبن دون أسمنت، إذ إن هناك حالة من انعدام الثقة بين الجانبين، اللذين باتا فى أمس الحاجة إلى حديد التسليح، الذى لن تستطيع سوى مصر والأردن والسعودية أن توفراه لهما، لإعطاء إسرائيل ما تريده من أمن، وللفلسطينيين ما يتطلعون إليه من دولة مستقلة. أرجو أن تعر هذا الحل اهتمامك الكافى لدراسته وتقييمه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الملك عبدالله بن عبدالعزيز توماس فريدمان نقلاً عن نيويورك تايمز ترجمة أميرة عبدالرحمن