34 عاماً على رحيلها ولا يزال فنها الخالد يجدد حضورها وسيرتها فى ذكرى «الحضور» لا «الغياب»، خاصة أننا إزاء مشهد غنائى عشوائى ومترد فى أغلبه. أم كلثوم صاحبة الألقاب العديدة وجميعها ألقاب منحها إياها الفنانون والجمهور العريض المحب لها، أما فنها فكان الشىء الوحيد الذى اتفق عليه العرب وأحبوه من المحيط إلى الخليج، لقد كانت «ثومة» هى قبلة المطربين والمطربات من الأجيال التى عاصرتها والأجيال التى تعاقبت بعدها، حيث ظلت رمزاً شامخاً ونموذجاً للمسيرة الحافلة والفن الراقى. كانت سيدة الغناء العربى التى منحها الشعب لقب «الست» و«ثومة» وأطلق عليها كروان الإذاعة محمد فتحى لقب «كوكب الشرق» كانت هذه للمسيرة القروية رمزاً فنياً وثقافياً لأمة بأكملها، وكانت رمزاً للفنانة العصامية ثقافة وفناً. وتغنت بقصائد عظماء الشعراء وجالست وصادقت العظماء وكانت شاهدة على ما قرب من ستين عاماً من الطرب العربى، وأم كلثوم هى فاطمة إبراهيم البلتاجى المولودة فى 31 ديسمبر فى قرية طماى الزهايرة بمحافظة الدقهلية وأبوها كان مؤذن القرية وهو الذى اكتشف الموهبة مبكراً فى ابنته الصغيرة ولعل وصف رتيبه الحفنى لحنجرتها يدلل على قوة صوتها، إذ قالت: إنها الحنجرة التى تغلبت على ذل الميكروفون. أبوها إبراهيم البلتاجى اصطحبها منذ طفولتها لتغنى معه فى الليالى الملاح تواشيحه إلى أن أصبحت مصدر جذب لجمهور الدلتا ومصدر رزق لأسرتها ومصدر شهرتها أيضاً وسرعان ما انتشر صيتها فى دلتا النيل ثم بدأت تنطلق على أفق أوسع باتجاه الشهرة، كان هذا حينما أصطحبها أبوها معه للقاهرة عام 1921م، ولم يكن يدر بخلده أنذاك أنها ستتربع على عرش الغناء العربى إلى أن تجاوزت شهرتها مصر وصولاً لباقى الدول العربية بل غير الناطقة بالعربية. وكان من مظاهر التقدير لفنها وشخصها أن حصلت على عدد من الأوسمة العربية، فقد حصلت على نيشان الكمال من مصر عام 1944م، ونيشان الرافدين من الدرجة الأولى من ملك العراق الملك فيصل «عام 1946م»، ووسام الأرز اللبنانى عام 1955م، ووسام النهضة من ملك الأردن عام 1955م، ووسام الجمهورية الأكبر من تونس، ووسام الكفاءة العسكرى المغربى، بل تم اختيارها عضواً شرفياً فى جمعية مارك توين الأمريكية الدولية التى تضم نخبة من أبرز شخصيات العالم، مثل الرئيس الأمريكى «إيزنهاور» وتشرشل رئيس وزراء بريطانيا وروزفلت الرئيس الأمريكى ولأن «الست» ليست مجرد رمز غنائى فإن مسيرتها الفنية لم تكن غنية بفنها وكفاحها فقط من أجل الوصول إلى القمة لكنها كانت رمزاً فى مواقفها الوطنية سواء مع ثورة يوليو أو بعد النكسة حيث جابت العالم كله لتجنى المال لصالح المجهود الحربى، ولذلك منحها عبدالناصر جواز سفر دبلوماسياً. أما تفاصيل سيرتها ورحلة صعودها للقمة فهى غنية وحافلة، ولسنا فى حاجة لإعادة سردها حيث يعرف تفاصيلها محبوها فى الوطن العربى كله، أما فنها فلا يحتاج للتدليل على تفرده وعبقريته فلاتزال ألبوماتها بعد 34 عاماً من الرحيل فى 3 فبراير 1975، هى الأكثر تداولاً ولا يخلو بيت فى مصر من ألبوم لها.