إنه المفكر المصرى الراحل، والأديب المتألق، والشخصية العامة المتميزة، الذى هوى فجأة كما تسقط الشهب والنيازك، إن «لطفى الخولى» كان بحق نموذجاً للمثقف الإيجابى، فقد تفاعل مع كل حركات التحرر الوطنى بدءاً من «الجزائر» وصولاً إلى «فلسطين»، وارتبط بقضايا الإنسان وحقوقه وتمكن وهو صاحب التاريخ اليسارى الطويل من أن يتأرجح بين معسكرى التشدد والاعتدال وفقاً لمقتضيات الحال ومصالح الأمة، عرف حياة السجون وعاش أيضاً أوقات الرفاهية، وتميز بسيجار مشتعل لا يفارق يديه إلا عند النوم وتناول الطعام، كما تميز بالتجدد فى التفكير والجرأة فى التعبير، وقد عرفته وأنا شاب صغير فى الستينيات من القرن الماضى، عندما دعيت إلى المشاركة فى ندوة لمجلة «الطليعة» التى أنشأها وترأس تحريرها لعدة سنوات بمعاونة رفيقه الراحل «ميشيل كامل» وقد كان موضوع الندوة عن «دور الشباب فى بناء مستقبل مصر» مع دراسة تطبيقية على منظمة الشباب الاشتراكى، التى تشرفت بالانتماء إليها منذ كنت طالباً بكلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، ويومها دار النقاش واحتدم الحوار بين فريقين أحدهما ينطلق من واقع التجربة المصرية دون خلفية عقائدية بينما يركز الفريق الآخر على وحدة التجربة الإنسانية من خلال فكر أممى يرتبط باليسار الدولى، ومازلت أحتفظ بذلك العدد من مجلة «الطليعة» الذى نشر وقائع تلك الندوة، التى شاركت فيها مع هؤلاء الكبار دون أن أتجاوز الحادية والعشرين من عمرى، وكان «لطفى الخولى» رقيقاً معى، ومعلماً وموجهاً فى بساطة رغم ثوريته، وفى هدوء، رغم أيديولوجيته، فعلى الرغم من أنه كان يسارى الاتجاه فإنه كان ليبرالى النزعة، يقول الرأى ويقبل الرأى الآخر لا يعرف التشنجات الفكرية، ولا التعصب الأعمى لما يؤمن به، وقد جمعتنى به مسيرة الحياة على امتداد ما أكثر من ثلاثين عاماً، بعد ذلك اقتربت خلالها منه وتعاملت معه، ومازلت أتذكر نصيحة له عندما وجد أن لى مقالات فى صحف متعددة فى وقت واحد، فقد قال لى يومها «لا تشتت قارئك، وحاول أن يكون تركيزك فى النشر على عدد محدود من الصحف والدوريات، حتى لا ترهق من يتابعك!»، ولقد ارتبط هو شخصياً رحمه الله بالأهرام مؤسسة وفكراً وصحيفة، لذلك مازلت أتذكر حفل تأبينه فى تلك المؤسسة العريقة، ويومها بكى رئيسها تأثيراً وهو يلقى كلمته عن المفكر الكبير الراحل، ولقد انغمس «لطفى الخولى» دائماً فى منظمات التضامن الدولى، وحركات السلام العالمية وتجمعات القارات الثلاث «آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية» وكان قريباً من «اليسار الفرنسى» صديقاً لقيادات الأحزاب الشيوعية والاشتراكية فى العالم المعاصر، فلقد كان شخصية دولية وقومية ومحلية فى آن واحد، كما كان مفكراً يسارياً وأديباً مسرحياًومثقفاً سياسياً فى آن واحد أيضاً، كما كانت تركيبته العائلية، هى الأخرى، تعبيراً عن قوة الوحدة الوطنية فى كيانه، وعندما برح عالمنا ترك رفيقة عمره السيدة الفاضلة «ليليان» وابنة واحدة هى قرينة لسفير مرموق فى جامعة الدول العربية، ولقد تعرض «لطفى الخولى» لحملات ضارية فى حياته، كان آخرها بسبب قيادته لما عرف ب «مجموعة كوبنهاجن» وهى مجموعة معتدلة من العرب واليهود وشخصيات عامة من جنسيات مختلفة كانت تسعى لحل الصراع العربى الإسرائيلى فى إطار روح السلام التى سادت المنطقة بعد اتفاق «أوسلو»، كما أنها كانت تحاول استقطاب عدد من القيادات الإسرائيلية المعتدلة وبعض عناصر الاشتراكية الدولية للإسهام فى بناء جسور الثقة بين العرب واليهود، تمهيداً لسلام شامل وعادل وفقاً لقرارات الأممالمتحدة، وأتذكر أنه كانت لصديقى «د. عبدالمنعم سعيد» إسهامات مشهودة فى هذه الحركة إلى جانب الفقيد الراحل. ذلك هو «لطفى الخولى» الذى ترك بصمات واضحة فى حياتنا الفكرية والسياسية، وكان تعبيراً أميناً عن عصر بأكمله، سجنه «عبدالناصر» وأحبه، أغلق له «السادات» مجلة «الطليعة» وقربه، وعندما كان يلتقى الرئيس «مبارك» الذى كان يحبه ويثق به، كان «لطفى الخولى» يهمس فى أذن «د. أسامة الباز» طالباً «علبة السيجار» التى اعتاد أن يتلقاها منحة رئاسية فى مداعبة متكررة تقديراً لوزنه الفكرى ومكانته الدولية وقامته القومية وشخصيته المصرية.. رحمه الله بقدر ما أنار الطريق أمام جيل أنتمى إليه ووطن أرتبط به.