لا أعتقد أننى سأضيف جديداً بما سأكتبه اليوم، فقد قاله قبلى كثيرون بل قالوا أكثر منه، ولكنى أرى أن من واجب كل مثقف وكاتب وباحث بل كل مواطن مهموم بالحالة الوطنية والعربية المستمرة فى الانحدار يوماً بعد يوم، من واجب هؤلاء جميعاً أن يبصروا هذه الشعوب البائسة التى تقطن أرضاً شاسعة تتوسط العالم من المحيط إلى الخليج، بحقيقة الأسباب التى جعلتهم فى قاع الأمم، فى الوقت الذى لا تنقطع عندهم القمم!! أرضاً كانت مهد الأديان والحضارات والتاريخ المجيد، ومنذ فجر الإنسانية كانت هى الضياء والنهار، الذى ظل يزحف رويداً على ظلام الأرض كلها من حولها.. أرضاً تتمتع بثروات وخيرات وكنوز لا حدود لها، وبطبيعة ومناخ لا مثيل لهما.. ويقطنها ملايين البشر من أحفاد أعظم الحضارات فى تاريخ البشرية، تشربت عقولهم ونفوسهم بأغنى وأروع تراث روحى على الأرض.. كيف وصل الحال بهم إلى هذه الدرجة من الضعف والهزال والتفكك والتشرذم والانحسار؟! الواجب علينا اليوم جميعاً ألا نضيع دقيقة واحدة دون أن نذكر هذه الشعوب الغافلة بأن عليهم أن ينظروا حولهم فى الشرق وفى الغرب، ويسألوا أنفسهم سؤالاً واحداً: كيف أصبحنا هكذا؟! لقد مرت الشعوب العربية فى الأسابيع الأخيرة بمحنة شديدة القسوة تمثلت فى عدوان همجى قذر من الدولة الصهيونية على قطاع صغير من هذه الأرض العربية، استخدمت فيه كل ما لديها من أسلحة تدمير وحشية، وأخرجت من ترسانتها العسكرية أسلحة فتاكة جديدة أرادت أن تجربها على أرض الواقع، فلم تجد «حيوانات تجارب» أكثر ملاءمة من هؤلاء البشر العزل، أطفالاً ونساءً.. شباباً وشيوخاً.. لم ترحم مريضاً بمستشفى أو لاجئاً لهيئة دولية، أو نساء يلملمن أشلاء الضحايا.. والمذهل أن أنظمة الحكم فى أى من بلاد العالم شرقه وغربه إلا القليل النادر، اكتفت بالمشاهدة والكلمات المائعة التى تساوى بين المجرم والضحية!! هل بعد أن توقفت المذبحة والمحرقة للآلاف من العرب المغلوبين على أمرهم، يمكن أن تسأل المجتمعات العربية نفسها الآن: ماذا أوصلنا إلى هذه الدرجة من الدونية والهوان دوناً عن شعوب العالم جميعاً مشرقه ومغربه؟! الإجابة فى رأيى واضحة وضوح الشمس وتجلت فى أكثر صورها فجاجة، فى تلك الاجتماعات التى جمعت قادة نظم هذه الشعوب وسميت كل منها «قمة».. وهى ليست أكثر من «غُمة» أدعو الله أن تزول عن شعوبنا العربية جميعا!! القمة ياسادة هى ذلك الاجتماع الذى تم فى «شرم الشيخ» باتفاق سرى بين أطراف دولية، فحضر أولئك الذين يمثلون شعوبهم عن حق.. أى الذين انتخبتهم شعوبهم لفترات محددة معروفة.. لم تحضر ملكة بريطانيا، ولكن رئيس وزرائها المنتخب، ولا رئيس ألمانيا ولا إيطاليا ولا تركيا ولكن حضر فقط المنتخبون من شعوبهم ليتفقوا ويقرروا أمراً متفقاً عليه.. لذلك يمكن أن نطلق على مثل هذا الاجتماع «قمة» حقاً وصدقاً. فهى قمة لهؤلاء المسؤولين الذين انتخبتهم شعوبهم وفوضتهم بالتحدث نيابة عنهم، وهم واثقون من حرصهم على مصالحهم.. أما تلك «الغُمة» العربية التى تجمع ملوكاً ورؤساء ساقت بهم الأقدار إلى عروشهم فاستمرأوا الملك والحكم لهم ولمن يورثونهم واختزلوا أوطانهم فى ذواتهم وظنوا أن مصالحهم الشخصية هى مصلحة أوطانهم وشعوبهم فلا علاقة لها من قريب أو بعيد بلفظ القمة، هذه هى المسألة يا سادة.. ليس لأحد من الجالسين فى هذه «الغُمة» العربية أى شرعية ليتحدث نيابة عن شعبه، وهم يعلمون تماماً القوى الخارجية والداخلية التى تسند كراسى الحكم التى اغتصبها عنوة أو صدفة كل منهم فى يوم من الأيام، ويعرف جيداً كيف يحافظ عليها إلى آخر أيام حياته ولمن يورثها!! لن تقوم لهؤلاء القوم العرب قائمة إلا إذا زالت هذه «الغُمة».. وجاء يوم تسطع فيه على هذه الأرض شمس الحرية والديمقراطية وتداول السلطة والخضوع لإرادة الشعب.. آه لو كان شاعرنا الراحل العظيم «نزار قبانى» حياً اليوم لعدل من قصيدته التى تغنت بها سيدة الغناء أم كلثوم، وجعل مطلعها: «أصبح عندى الآن حرية..» وآخرها: إلى فلسطين طريق واحد.. يمر عبر بوابة ديمقراطية!!