علاقة «الماستر - سليف» هى ببساطة علاقة العبد بالسيد. فالماستر هو السيد، والسليف هو العبد. وهذه النظرية عرفت – فى الأساس – فى مجال الكمبيوتر، لتفسر العلاقة بين أدوات التخزين والتعامل مع المعلومات على ذاكرة الحاسب. ذلك الجهاز الذى تم تصميمه ليعمل بنفس الطريقة التى يعمل بها العقل البشرى. وأظن أننا إذا حللنا الكثير من المشكلات والمواقف التى تحيط بنا، سواء فى مصر أو فى المنطقة العربية، أو على المستوى الدولى، فسوف نجد أنها تعتمد على تلك النظرية: نظرية السيد والعبد. ورغم استقرار العالم على أن الحماية من العبودية أصبحت حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، فإن ذلك لم يحدث على مستوى الدول والأنظمة السياسية، والكثير من الأفراد كذلك. فما زالت النظرية سارية، وما زالت العلاقة بين بعض الدول وغيرها هى علاقة العبد بالسيد، وما زالت العلاقة بين الكثير من الشعوب وحكامها وحكوماتها هى علاقة العبد بالسيد أيضاً. ويبدو أن استمرار هذا النمط من العلاقة بين البشر يعد جزءاً من التركيبة الإنسانية التى لا يجدى معها تطور، ولا يشفع فيها حديث عن حقوق إنسان ولا غيره! فالمسألة ترتبط باستمتاع العبد بقهر سيده بداية من أبسط أنواع العلاقات الإنسانية وانتهاء بأكثرها تعقيداً. فالعلاقة بين الرجل والمرأة – على سبيل المثال - نادراً ما تتأسس على التكافؤ، بل هى فى الأغلب محكومة بنظرية «الماستر – سليف». والسيد هنا قد يكون الرجل، وقد يكون المرأة. فمن يمتلك نفسية عبد ويحب حياة العبودية يهوَ البحث عن سيد يركبه ليطيع أوامره، ويخضع لإرادته. فمعادلة العبودية تقتضى وجود عبد وسيد، والمسألة هنا ترتبط بعناصر القوة والضعف، فمن يمتلك القوة يجلس فى مجالس السادة، والضعيف هو دائماً عبد لمن يسيطر عليه. ومن الصعب أن تأتى لحظة يتمرد فيها العبد على سيده، لأنه لا يكره خضوعه لمولاه ووجهته وقبلته، بل يحب ذلك أشد الحب. وكأنى بالعبيد عندما يجلسون مع بعضهم البعض ويدخلون فى سباق التفاخر، نجد أن كلاً منهم يتباهى بسيده. فمنهم من يفخر بأنه عبد لحاكم، أو عبد لنجم، أو عبد لرجل ذى صفات معينة، أو امرأة من طراز خاص، أو حتى أنه عبد لدولة مسيطرة طاغية كالولاياتالمتحدة أو إسرائيل وغير ذلك. ومن فرط حب العبد لمن يعيش بين أصابعه يصبح – بمرور الوقت – قادراً على قراءة عقل سيده، وبالتالى يبادر إلى تنفيذ ما يريده، حتى قبل أن ينطق لسانه. ومن المؤكد أنه يتباهى بذلك أيضاً، إذ يجد أن وصوله إلى هذه الحالة يعنى أنه أصبح فى حالة ذوبان كامل فى عقل السيد. وما أجمل شعور العبد - مثلاً - عندما يكرر أمام الآخرين الحِكَم التى تتدفق على لسان سيده. ومن يراجع الأحداث الأخيرة فى غزة وما احتوت عليه من تفاعلات يستطع أن يتأكد من هذا الأمر تماماً! فالكثير من أفراد الشعوب – الذين يستمتعون بروح العبودية – انطلقوا يكررون حِكَم السيد فى فهم ما يحدث، ويرددون أن حماس ترفع شعار المقاومة ولا تفهم كوادرها أنه ليس بمقدورها أن تواجه « باراك « وجنوده وأسلحته ومعداته، وبالتالى فهى السبب فى هذا الدم الفلسطينى الذى يسيل! إنها لعبة إنسانية أزلية أبدية، علاقة لا تمثل مجرد استمتاع للسيد الذى يشعر بقدرته وسطوته على عبيده، بل ترتبط أيضاً بمتعة وسعادة بعض البشر عندما يشعرون بأحاسيس العبيد أمام سادتهم. فالعبودية – لدى البعض – ليست مجرد ظروف أو سياقات تفرض على طرف ضعيف أن يكون عبداً لطرف أقوى، بل هى قبل هذا اختيار إنسانى يفضل البعض العيش فى ظلاله، فيرون أن إهدار الكرامة لدى السيد عزة، وأن الاستسلام له سلام، وأن الانحناء أمامه هو قمة الكبرياء، وأن المعاناة بسببه هى قمة الراحة. فلا شىء يهم سوى رضاء السيد. انظر - على سبيل المثال - كيف يتعامل الإعلام المصرى مع أى تقرير يصدر عن مؤسسة أمريكية أو غربية يمتدح الأداء الاقتصادى لبعض المؤسسات، أو الأداء السياسى للدولة، أو منح المرأة المصرية حقوقها وغير ذلك. إن الحفاوة التى يقابل بها الإعلام مثل هذا المدح من جانب الولاياتالمتحدة أو دول الغرب تعكس قدر السعادة برضاء السيد. فالعبد يرى أن الحق دائماً هو ما يشهد به السيد. ومنذ بدء الخليقة وحتى الآن لم يخرج كل البشر عن هذه المعادلة، فإما أن تكون فى طرف السادة وإما أن تكون فى طرف العبيد، وليس بين هذين الطرفين ثالث. والسيد يرى دائماً أن إدخال البشر تحت مظلة عبوديته نعمة ومنة منه عليهم. وقد صرخ فرعون مصر فى وجه موسى – عليه وعلى نبينا السلام – بهذا المعنى، فما كان من نبى الله إلا أن رد عليه قائلاً – بأعلى درجات التعجب - كما ورد فى النص القرآنى: «وتلك نعمة تَمُنُّها علىَّ أن عبَّدت بنى إسرائيل». فالسيد يعتبر أن العبد عبء ثقيل، بسبب اعتماده عليه فى كل صغيرة وكبيرة. ولعلنا نلاحظ أن الكثير من المسؤولين الحكوميين يعبرون عن هذا الإحساس بالقرف من المواطن الذى يشعر أن الحكومة أمه وأبوه، وصاحبته وبنوه!، وأنه لا يستطيع أن يعيش بدونها، حتى ولو أذلته واستعبدته، تماماً مثل الزوجة التى يستعبدها زوجها، وترضى بذلك سنين طويلة دون أن تستطيع – بل حتى دون أن يرد على خاطرها – أن تستغنى عنه. ويكفى أن نشير إلى أن أكثر ما يقلق الناس فى بر مصر هو الإجابة عن سؤال: ماذا سوف نفعل إذا لا قدر الله اختفى هذا الشخص أو ذاك؟ فحتى التجربة لم تعلمهم أن سيداً جديداً سوف يقوم بالتقاطهم واستعبادهم، تماماً مثلما تقلق الحكومة على موقف السيد الأمريكى - الذى تطيعه - مما يحدث فى غزة، خصوصاً بعد صعود دور السيد «الإيرانى» أو السيد «التركى»، وأتصور أن قلق الحكومة غير مبرر لأنها لن تغلب فى أن تجد لنفسها «سيداً»، رغم وجود حالة من التزاحم على طوابير العبيد!