العبارة السلام 98 وأموال التعويضات لضحاياها و4 متهمين» تسببوا فى تحويل حياة أسرة فى محافظة الشرقية إلى جحيم، فقدت ابنيها الأكبر والأصغر، لم يتبق لرب الأسرة غير الدموع والأحزان.. ولم تجد الأم غير أن تغلق بابها وتعتزل البشر.. الابن الأكبر كان واحداً من المئات ممن ابتلعهم البحر فى حادث غرق العبارة قبل سنتين و10 أشهر تقريباً، والابن الأصغر راح ضحية أموال التعويضات التى حصلت عليها الأسرة فى الحادث 4 متهمين خطفوه لإجبار الأب على دفع فدية 200 ألف جنيه لعلمهم بحصوله على مبلغ تعويض 500 ألف جنيه.. إلا أن الأب كان قد أنفق المبلغ على بناء مسجد ودار أيتام ورصف الطريق.. فقتل المتهمون الابن.. بين «المصيبتين» الأولى والثانية للأسرة.. تفاصيل كثيرة يصعب على أى أسرة تحملها. مثل مئات الأسر الذين استيقظوا صباح يوم 3 فبراير 2006 على خبر تتناقله وسائل الإعلام.. «غرق عبارة السلام 98 فى مياه البحر الأحمر وفقدان المئات ممن كانوا يستقلونها أو يعملون عليها».. استقل الأب ماهر عبدالرازق محمد وعدد من أقاربه وأهالى قريته سيارة وأسرعوا إلى مدينة الغردقة.. جلسوا على شاطئ البحر ينتظرون خروج جثة الابن «عبادة - 25 سنة» وقتها مرت ساعات على الأسرة لم تحدث لهم من قبل.. الأب جلس على الشاطئ يبكى وكأنه طفل صغير.. ابنه الأكبر ابتلعه البحر وفشل فى الوصول إلى جثته.. أيام وليل مرت وهم يجلسون فى انتظار الجثة.. بعدها جاءهم القرار باعتبار ابنهم المفقود فى البحر متوفى. تسلم الأب مبلغ 500 ألف جنيه كتعويض عن وفاة ابنه الأكبر.. ودون أن يشعر به أحد بدأ فى إنشاء مسجد لأهل قريته.. وإقامة دار للأيتام.. ورصف الطريق المؤدى إلى القرية وإخراج الزكاه.. لم يشيد منزلاً أو يبنى فيلا له ولأسرته.. صمم أن يظل فى منزله البسيط.. ليرعى «الماشية» لم ينقطع عن عمله كموظف بسيط فى السنترال يتقاضى بضعة جنيهات رغم أنه كان يمتلك 500 ألف جنيه. لم يتبق من أموال التعويض مع الأب غير مبلغ بسيط، فقرر الأب أن يسافر وزوجته لقضاء فريضة الحج العام الماضى، عاد ليصلى ويزكى ويدعو بالمغفرة والرحمة لابنه المتوفى فى حادث العبارة. مرت الأيام وبدأت الأيام تداوى الجرح الذى حفره الحادث فى قلب الأسرة.. والأهالى يقدمون الشكر للأسرة عن الأعمال التى أقاموها فى القرية بأموال التعويضات التى تقاضها الأب. لم تعلم الأسرة أن الجرح سيتقطع من جديد.. ويسدد له معدومو الضمير طعنات فى القلب. ظهر يوم عيد الأضحى الماضى - أى قبل 3 أسابيع تقريباً - أرسل الأب ابنه الصغير «أحمد - 8 سنوات» لمنزل عمته الذى يبعد عن منزلهم قرابة 100 متر تقريباً، مرت الساعات ولم يعد الطفل إلى المنزل، توجهت شقيقته إلى منزل العمة للسؤال عن أخيها، وكانت الإجابة «أحمد روح بعد ربع ساعة تقريباً». خرجت الأسرة والجيران والأهالى بحثاً عن الطفل.. فتشوا فى الشوارع والزراعات والحدائق دون جدوى.. مشهد غرق الابن الأكبر فى المياه عاد من جديد إلى الأسرة.. منظر أمواج البحر وهى تتهادى على الشاطئ عادت من جديد إلى ذاكرة الأب.. هناك فى الغردقة كان ينتظر جثة ابنه الأكبر.. وهنا فى منزله بالشرقية يجلس ينتظر مصير ابنه الأصغر. بعد ساعات من اختفاء الابن الأصغر - رن تليفون المنزل - أسرعت الابنة وأمسكت بسماعة التليفون.. والجميع من خلافها على أمل أن يكون خبراً سعيداً يعيد الحياة من جديد إلى أفراد الأسرة الحزينة، ولكنها كانت الصدمة والكارثة غير المتوقعة.. مجهول يتحدث ابنكم الصغير أحمد معنا هتدفعوا 200 ألف جنيه.. هيرجعلكم بالسلامة.. عكس ذلك هيرجعلكم جثة وإياكم من إبلاغ المباحث إن كنتم تريدون ابنكم حياً». أغلق «الشخص المجهول» السماعة.. وترك الصرخات تدوى فى المنزل الذى كتبت عليه الأحزان من جديد ارتمى الأب فى مكانه، وأصيبت الأم بحالة انهيار ودموع الابنة لم تتوقف.. والجيران والأهالى التفوا حولهم غير مصدقين لتلك التفاصيل التى تحدث لهم.. جلس الأب لا يعرف ماذا يفعل.. وكيف يتصرف فى تلك المصيبة التى أحلت فوق رأسه من جديد.. انتظر الأب أن يحدثه الجناة من جديد.. وفى المكالمة الثانية أبلغهم الأب بأنه لا يملك هذا المبلغ الذى يطلبونه.. وفى إمكانه أن يجمع ويقترض من الجيران قرابة مبلغ 50 ألف جنيه.. فرد الجناة يسألونه عن مبلغ التعويض الذى تقاضاه بعد حادث غرق ابنه الأكبر فى حادث العبارة السلام «98» أقسم لهم الأب بأنه أنفقه على الأعمال الخيرية.. أغلق الجناه التليفون مرة ثانية. ارتمى الأب على كرسيه والأفكار تداعبه هل يبلغ رجال المباحث عن الواقعة، ولكنه يعود مرة ثانية قائلاً: «بس أحمد معاهم.. ممكن يعملوا فيه حاجة».. مفاوضات استمرت بين الأب والجناة قرابة 25 يوماً والأم أتعبتها الأحزان فأصيبت بصدمة وألزمها الطبيب بالجلوس فى فراشها ليس على شفتيها غير كلمة «أحمد ابنى.. راح فين؟». فى كل لحظة تمر على الأسرة يزدادون قلقاً.. الأب يسير فى شوارع القرية بحثاً عن خيط يدله عن ابنه.. يحدثه الناس ولكنه لا يسمع ولا يتكلم، حالته أبكت الجميع.. لدرجة أن أهالى القرية تركوا أعمالهم وأراضيهم وتحول هدفهم الأوحد هو الوقوف إلى جوار جارهم.. يخرجون فى مناوبات يومياً بحثاً عن الابن المخطوف.. ينادون عنه بالميكروفونات. وفى النهاية أبلغ الأب مدير أمن الشرقية اللواء حسين أبوشناق بالواقعة، وتأكد الرجال المباحث أن الجناة يعرفون الأسرة لأنهم يعلمون بواقعة تقاضيهم تعويضاً مادياً بعد وفاة الابن الأكبر وبدأت أجهزة الأمن تكثف جهودها لضبط الجناه. «المصادفة» وحدها كشفت أول خيوط الجريمة.. أثناء وجود أهالى القرية أمام المسجد بعد خروجهم من صلاة الجمعة، سمع أحد الأهالى مزارعاً يقول لأخيه «حرام عليكم.. رجعوا أحمد لأبوه.. الراجل هيموت» ألقت المباحث القبض على شقيق المزارع ويدعى شوقى يوسف محمد «20 سنة» وهنا ظهرت المفاجأة المتهم و3 من أبناء القرية معه وراء ارتكاب الجريمة لطمعهم فى أموال التعويضات التى تقاضها الأب. بمجرد أن عرف الأب بخبر إلقاء القبض على المتهمين أسرع إلى قسم الشرطة.. أعتقد أن الابن هناك سيعود إليه بعد لحظات، ولكنها كانت الكارثة الثانية فى حياة الأب.. الجناه اعترفوا بأنهم قتلوا الضحية بعدما حاول الاستغاثة فى أول يوم من اختطافه.. وقع الأب على الأرض - لم يتكلم بكلمة واحدة.. نقله الأهالى إلى المستشفى.. وبعدها تحسنت حالته وعاد يجر قدميه إلى المنزل الحزين.. الخبر كان قد سبقه إلى الأم والابنة.. الصمت يسيطر على المكان لا يقطعه غير صوت القرآن الكريم يخرج من إحدى غرف المنزل. اعترف الجناة الأربعة فى التحقيقات بأنهم منذ علمهم بتقاضى الأب مبلغ 500 ألف جنيه كمبلغ تعويض عن غرق ابنه «عبادة» فى العبارة السلام 98.. وهم يخططون لسرقة تلك الأموال.. وخاصة بعد أن شاهدوه ينفق الأموال فى رصف الطريق وإقامة مسجد، فشلوا فى الدخول إلى المنزل لسرقة الأموال، وجاءتهم فكرة خطف الابن الأصغر خططوا لها لمدة 6 أشهر تقريباً، كلما شاهد أحد الجناة الطفل الصغير «أحمد» فى الشارع يعطيه جنيهاً أو نصف جنيه ليشترى الحلوى حتى اطمأن الطفل لهم. وفى يوم العيد شاهد أحد الجناة الطفل يمشى فى الشارع وحده.. لم يكن أحد من الأهالى يشاهده - فأعطى المتهم مبلغ 10 جنيهات للطفل وطلب منه أن يوصله لمنزل المتهم الثانى.. أسرع الابن إلى منزل المتهم الثانى وبمجرد أن شاهد الطفل اصطحبه إلى داخل المنزل وأغلق عليه إحدى الغرف حتى وصل المتهمون الآخرون واجتمعوا فى المنزل.. ليخططوا كيف سينفذون جريمة طلب الفدية. صوت الطفل قاطعهم.. وصرخاته كادت أن تكشفهم فأسرعوا إليه واعتدوا على الطفل بالضرب ولف أحدهم بطانية حول رأس الطفل حتى لفظ الضحية أنفاسه الأخيرة، فكروا فى كيفية التخلص من الجثة.. وضعوها فى جوال وحملوه على عربة كاروا واتجهوا إلى ناحية بحر البقر لإلقاء الجثة فى المياه.. قبل أن يصلوا إلى الشاطئ فوجئوا بالأب يقابلهم فى الطريق.. أحدههم ارتبك والآخرون تصرفوا ببرود أعصاب يحسدون عليه.. ألقوا السلام على الأب واستمروا فى طريقهم ربطوا حجارة وحبلاً فى الجوال.. وألقوا الجثة فى المياه.. اختفى الجوال وظهر فقط الحبل فربطوا طرفه فى الجسر لسهولة الوصول إليه. عاد المتهمون إلى المنزل ليبدأوا فى وصلة تهديد الأب بقتل الابن لإجباره على دفع مبلغ الفدية، اشتروا هاتفاً محمولاً جديداً وتبادلوا فى التحدث إلى الأسرة مع تغير أصواتهم فى كل مرة حتى لا ينكشف أمرهم. ألقت المباحث القبض على المتهمين الأربعة شوقى يوسف محمد، 20 سنة، وعزازى صالح عزازى، 18 سنة، وعبدالله محمد نظيم، 23 سنة، وأحمد مظهر أحمد، 18 سنة، وأحيلوا إلى النيابة التى قررت حبسهم على ذمة التحقيقات بعد اعترافهم بارتكاب الحادث. وأثناء اصطحاب النيابة للمتهمين تحت حراسة الأمن لإرشادهم عن مكان التخلص من الجثة.. تجمع أهالى القرية وحاولوا الفتك بالمتهمين وعندما حال رجال الأمن دون ذلك.. توجه الأهالى غاضبون إلى منازل المتهمين وحاولوا حرقها والفتك بأسرهم.. إلا أن 25 سيارة أمن مركزى أحاطت بالقرية، وأخرج رجال المباحث أسر المتهمين من القرية، وطالبوهم بأن يتركوها حتى لا يفتك بهم الأهالى بعد الحادث البشع الذى ارتكبه أبناؤهم فى حق الأسرة التى تطاردها الأحزان. أحال المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام، المتهمين إلى محكمة الجنايات لتحديد جلسة عاجلة لمحاكمتهم. «المصرى اليوم» كانت هناك فى القرية.. لا حديث بين الأهالى سوى عن تلك الكارثة.. يبكون على أسرة لم يلتئم جرحهم على ابنهم الأكبر حتى جاءتهم المصيبة الثانية.. الأب تحدث بعد أيام من الحادث.. جملة واحدة تلازم لسانه.. أستعوضهما عند الله.. أما الأم فأغلقت باب غرفتها واعتزلت الناس.. الابنة قالت إن والدتها ترفض مقابلة أحد منذ الحادث وترفض الأكل أو الشرب. حكماً بالإعدام لن يريح الأب.. وحكماً بالبراءة للمتهمين مثلما حدث فى قضية العبارة التى تسببت فى وفاة ابنه الأكبر ربما قد يكون السبب فى رحيل الأم.