وقف الرئيس الصينى، منذ أيام، يحتفل بمرور ثلاثين عاماً على انفتاح بلاده اقتصادياً على العالم، وكان شعار الاحتفال «إصلاح.. وانفتاح»، وكان توقيت مثل هذا الحدث لافتاً للانتباه بقوة، إذ يأتى فى وقت تتعرض فيه الدول جميعاً لأزمة مالية طاحنة، ويأتى فى وقت يعلن فيه الرئيس الأمريكى نفسه أنه سوف يتخلى عن مبادئ اقتصاد السوق، لإنقاذ بلده من تداعيات أزمة تكاد تفتك به! وسط هذا الفزع العالمى، يقف رئيس الصين، ليس فقط ليعلن، وإنما ليعيد التأكيد، على أن الإصلاح عملية مستمرة، لا يجوز أن تتوقف عند حدود معينة، حتى ولو كان هذا هو حال العالم فى اللحظة الراهنة، ثم يعيد التأكيد على ما هو أهم من ذلك كله، وهو أن الانفتاح فى الاقتصاد ليس انفتاحاً مادياً عبر الحدود والأسوار، بقدر ما هو انفتاح فى الرؤى، وانفتاح فى الخيال، وانفتاح فى العقل ذاته! لقد جاء يوم مر فيه رئيس الصين على قرية من قرى الصيادين، كانت تقع فى مواجهة هونج كونج، ورأى بخياله، وقتها، أن هذه القرية يمكن أن تمثل انفتاحاً على الدنيا كلها، إذا وجدت من يتخيل لها مستقبلاً مختلفاً عما كانت وقتها عليه من بؤس وتعاسة، وهو ما حدث فعلاً، وصارت قرية الصيادين واحدة من قلاع الصناعة والتجارة فى البلد هناك، ليس لأن رئيس البلاد، فى ذلك الحين، قد قرر إقامة عدد من المبانى والمصالح والمنشآت عليها، وإنما لأنه راح يتطلع إلى المستقبل، ببصيرة قبل البصر، ويرى كيف يمكن أن يساهم الحلم فى أن يتحول شاطئ يقتله الإهمال إلى نافذة حية على أرجاء الأرض! هذا هو الانفتاح، الذى آمنت به الصين، وراحت تطبقه على مدى ثلاثة عقود.. انفتاح ضد النظم والقوانين والبيروقراطية، التى تدمر أى إبداع، وتطرد أى استثمار، وتطارد أى مستثمر جاد فى العمل! الانفتاح، أو الإصلاح، ليس مجرد مقاومة لواقعة فساد هنا، ثم ضبطها، أو القبض على لص مال عام هناك، فهذا أبسط ما فى الموضوع.. ولا الإصلاح أو الانفتاح هو إقامة محور مرور هنا، أو تشييد طريق سريع هناك.. فهذا كله تسيير لعمل يومى، وتحصيل حاصل فى نهاية الأمر، ولا يؤدى إلى إنجاز حقيقى للوطن، على المدى البعيد! الإصلاح الحقيقى، الذى لانزال نطالب به فى بلدنا، لأنه غير موجود بالدرجة الكافية، هو انفتاح عقولنا على الآخرين.. هو الإيمان بأن القطاع الخاص ليس جريمة.. هو اليقين فى أن الرأسمالية بكل مقتضياتها ليست تهمة.. وإلا.. فما معنى أن نقول، كل يوم، إن البلد مفتوح أمام كل مستثمر حقيقى، فإذا جاء ليعمل، اكتشف منذ اللحظة الأولى أنه يتعامل مع رؤوس تفكر بعقلية 50 عاماً مضت، وربما قرن من الزمان، من أول المجلس المحلى، مروراً بوحدة التراخيص، وانتهاء بأى مصلحة حكومية يكون عليه أن يقف أمامها؟!.. الانفتاح الفعلى هو أن نرى مشاكلنا، من خارجها، وليس من داخلها، وأن نتخيل ما نريد أن نكون عليه، وأن نطرح أحلامنا على الرأى العام، يفكر فيها، ويناقشها ويرفضها ويتقبلها ويتفاعل معها. هناك شبه إحساس عام، بأننا بلد متوقف عن ممارسة الحلم، منذ فترة.. ونريد أن نحلم.. فالأحلام هى التى صنعت الصين، كما أن رئيسها حين وقف يخطب ويتكلم، ويتمسك بمنهج 30 عاماً، كان فى حقيقة الأمر يحلم، وكان يرى أحلام بلاده مجسدة أمام عينيه على الأرض.. هل يتذكر أحد منكم آخر مرة كنا فيها نحلم؟!