تناولنا فى المقال السابق عدداً من المقومات التى يجب أن يتضمنها مناخ العمل وتحدثنا عن قيمة الوقت، وما تتميز به الشخصية المصرية من عدم الاكتراث بإهدار الوقت، ونبدأ اليوم فى تفصيل عدد آخر من هذه القيم أولها «المعايشة للمشكلة». المعايشة للمشكلة بدلاً من مواجهتها، وهذا يرتبط بدوره بأننا بدلاً من مواجهة المشكلة ودفع الثمن حتى نخرج من الأزمات نؤجلها ونتعايش معها، ولا ندرك أن التأجيل تتراكم معه التكلفة ويصبح الثمن أعلى بكثير، وقس على هذا أمثلة كثيرة مثل معايشتنا لمشاكل البحث العلمى والإسكان والكثير، وما حدث مؤخرًا فى الدويقة أبلغ دليل على هذه المعايشة للمشكلات. 2- القيادة ومناخ العمل: نمط الإدارة لا يدعم بمواصفات قيادية، لأن مواصفات القيادة تربى ويتم تنميتها ويوجد ندرة فيها إن لم يتم تنميتها، ومن الممكن أن تكون القيادة غير مدعمة بمعرفة عالية فى الإدارة وبذلك تكون القيادة قيادة عاطفية مزدوجة تدعم قيم التبعية وقيم المركزية الأبوية المتسلطة أو الرحيمة، التى تشعر فى جميع الأحوال أنها الحاكم المحكم، وهذا ينعكس على مناخ العمل الذى يدعم قيم ترك القرارات لشخص واحد، وكذلك يدعم ضمور الأغلبية بجانب الفرد الذى يدير، ويتم محاربة ذوى المعرفة العالية الذين ينمون أنفسهم وبالتالى تضمحل المعرفة فى المؤسسات وتحصر فى يد من يدير فقط وبالتالى يُقتل الإبداع، فمثلاً فى اليابان دوائر الجودة تتبنى آراء الناس، يوميًا كل رئيس قسم أو إدارة يشجع العاملين على إبداء آرائهم مما يفجر الطاقة الإبداعية وحلول مشاكل داخل العاملين. وأنا شخصيًا حدث معى موقف فى بداية حياتى فى مصر، بعد تخرجى ذهبت إلى مدير عملى لأقول «إنى مجتهد وكفاءة» فرد على قائلاً: «وحد بيشكر فى نفسه أو يقول عليها كويس»، وعندما أبديت له رأيًا فى موضوع ما نهرنى قائلاً: «اسكت هو إنت هاتفهم أكتر منى». وتظهر هنا قيم فاسدة لتحطيم أصحاب الآراء ونعتهم بالمتفلسف أو اللمض وغيرهما من الألقاب. 3- العمل الجماعى: لابد أن يكون لدينا قيمة العمل الجماعى، ولابد من الإكثار فى الكلام عن أهمية العمل الجماعى، والقيادات المصرية تنادى وتلوك الكلمة مرارًا وتكرارًا، نريد العمل الجماعى لأهميته وخاصة عندما ذكر د. أحمد زويل أن العمل الجماعى هو السبب فى حصوله على جائزة نوبل. من يديرون مصر لا يفهمون أن العمل الجماعى يحتاج إلى مجهود تنموى فى الإدارة وتغيير مفاهيم الأفراد، فخلال عملى فى أمريكا حدث أن إعاقة شخص لعمل شخص آخر وعدم تدعيم فكرته يُقيّم على أنه معوق للعمل، مما يزرع الثقة بين الأفراد (Synergy). وفى التفاعل البشرى 1 + 1 = أكثر من 2 إذا كانت الطاقة البشرية إيجابية مع بعضها، أما إذا كانت الطاقة سلبية فالمجموع يصبح صفرًا وهذا يدعمه اعتراف كل شخص بقيمة الآخر. أما نحن فلدينا القيم الريفية (لابد فى الدرة) لاصطياد أخطاء الآخرين مما يؤدى إلى تحطيم الطاقة الموجبة، الإدارة مفروض أن تنمى العمل الجماعى وروحه وتبذل مجهودًا فى تنميته وليس تبنى الفكر الاستعمارى برفع قيمة المدير وحده ليتعايش مع المشاكل التى تدعم قوته وتضعف المؤسسة. هذا يعكس مناخ العمل فى مجتمعنا الذى لابد أن يتغير إلى عقيدة العمل الجماعى، وهذا يتطلب تغيير القيم وأنماط الإدارة والاستثمار حتى تتحقق الأهداف. [email protected]