سألت الأسبوع الماضى: ماذا حدث لنا؟ وطالبنى القراء بالتفسير.. وصلتنى ردود عديدة وتجارب مريرة على البريد الإلكترونى.. ولا أدعى أننى أملك قدرة فائقة على التحليل أو ملكة لإيجاد الحلول.. فوظيفتنا تنتمى أكثر إلى علامة الاستفهام، لكن من إجابات القراء وجدت عاملا رئيسيا مشتركا يكاد يتكرر فى كل رساله وصلتنى عبر بريد «المصرى اليوم» أو بريدى الإلكترونى الخاص. إنه العدل يا سادة.. أو بالأحرى غياب العدل. والعدل يبدأ من حق المواطن فى سبل حياة كريمة. مرورا بحقوقه فى قسم الشرطة وأمام القاضى فى المحكمة.. وفى معظم تلك الأمور انقلبت الموازين.. ليس فقط لضعف الحال وضيق ذات اليد، ولكن أيضا لضعف الرقيب، وهو هنا الدولة التى وهنت على مر السنين لتفرز لنا مقاييس متراكمة معوجة قد يصعب جدا إصلاحها الآن. العدل.. بدءا من فرصة التعليم لطفل المدرسة، وأقصد هنا فرصة التعليم الصحيح وليس كرسياً مكسوراً و«تختة» بالية وفصلاً به 80 تلميذاً يخرج بعدها الطالب أجهل مما دخل.. ناهيك عمن تسربوا فى الطريق.. العدل فى توزيع المدارس بين المحافظات وبين القرى، وليس فقط الاهتمام بالقاهرة والإسكندرية والمدارس المطورة التى يفتتحها الكبار على شاشات التليفزيون. العدل هو حق المواطن كل مواطن فى أن تصله الخدمات الرئيسية الأساسية: مياه صالحة للشرب، صرف صحى آدمى وكهرباء.. دون تفاوت ودون إهمال.. وذلك أيضا يعانى فيه أهل الصعيد والعشوائيات من ظلم فادح فلا تصلهم أدنى مبادئ الحياة الكريمة الآدمية. العدل هو المساواة فى فرص العمل.. يحصل عليها الأكفأ وليس صاحب السطوة والسلطة والواسطة فيصبح للكفاءة قيمة وللتعليم ميزة وللإبداع ثمن مختلف.. ذاك نتيجة العدل. العدل أن نقف جميعا أمام الشرطة والقضاء سواسية كأسنان المشط، يفرق بيننا العمل والخطأ والصواب.. وليس الجاه والمال والعلاقات العامة (ولا أقول الحسب والنسب لأن الأنساب تختلط، والمال سطوته أصبحت أعلى كثيرا). والغريب أننا يمكننا الحديث مع الشرطة وعن الشرطة.. لكننا لا نستطيع الاقتراب من القضاء وهو أساس العدل.. وكأن على منصته آلهة لا يمكنك الاقتراب منهم وإلا أصبحت كافرا تستحق الرجم!!. القاضى إنسان.. بشر قد يصيب وقد يخطئ، قد يعرف وقد يجهل.. كما أن له ظروفه واحتياجاته... فمن العدل أولا أن نوفر للقاضى حياة كريمة: مرتبا مجزيا كى لا يعمل مستشارا هنا وهناك.. وتأمينا صحيا سليما يعالجه إذا مرض وإذا كبر... ثم أدوات كى يحكم بالعدل. ثم إن أحكام القضاء أى قضاء يجب ألا تكون بعيدة عن النقاش والجدل. فكثير من القضاة نقضوا أحكام سابقيهم، وكثير من الأحكام تقضى «بفساد الاستدلال» وتلغى أحكاما أخرى.. فلماذا يبقى القضاء خارج المنظومة.؟ ولماذا يجب أن يسبق كلامنا «نحن لا نعلق على أحكام القضاء»؟ العدل أن يصبح الجميع أمام الرقابة سواء وأمام الناس سواء. قد تودى بى كلماتى السابقة إلى تحقيق عاجل أو مساءلة قانونية.. لا أعرف وليس لدىَّ مستشار قانونى لأسألة.. لكنه ظنى وقناعاتى: «العدل» لا يتجزأ، والظلم أيضا لا يتجزأ. شعور المواطن بالعدل والعدالة هو ركيزة شعوره بالانتماء والرغبة فى العمل وتجويد الأداء. من هنا نبدأ. [email protected]