فتح الأستاذ مجدى الجلاد بابًا للحوار فى جريدة «المصرى اليوم»، عند نشره مقالاً بعنوان (قبل الإعلان الأخير لوفاة القاهرة) دعانا فيه جميعًا حكومة ومواطنين إلى أن ننسى اختلاف وجهات النظر فيما بيننا وأن نتقدم بأفكار مبدعة علّ المسؤولين يقومون بدورهم بخطوة ومبادرة لإنقاذ مدينة القاهرة التى دخلت فى حالة الموت الدماغى، بعد أن أصبحت مثالاً للتلوث والفوضى. الأستاذ مجدى الجلاد بتفاؤل يُحسد عليه، مازال يحلم بقاهرة جميلة، هادئة ونظيفة ومازال يؤمن بأن الأفكار المبدعة تلقى هوى فى نفس المسؤولين، والأغرب أنه وهو يعيش فى القاهرة ويعرف مسؤوليها، مازال يردد أن كل الأمانى ممكنة، لكنه وللحق وضع شرطًا مستحيلاً وهو توفر الإرادة الصادقة. وهنا مربط الفرس يا أستاذ مجدى، فليست هناك إرادة صادقة يحملها أى مسؤول عن العاصمة فى قلبه أو صدره، تجاه تلك المدينة العريقة حيث إن الإرادة تعنى - بالبلدى - النيّة، النية فى مواجهة الفوضى، النية فى مواجهة التلوث، النية فى مواجهة خرق القانون، ومواجهة الزحام المرورى، فى مواجهة الضوضاء والقبح، ومن صدق النيّة يبدأ صدق التفكير والتدبير وصدق التنفيذ. إذا وجدت النية سيطلب المسؤولون عن مدينة القاهرة وعلى رأسهم محافظها، حلولاً لمشاكلها من متخصصين وخبراء حقيقيين وستخضع اقتراحاتهم لمناقشات علمية نزيهة وخالصة لوجه اللّه، وتقدم للرأى العام فى مناقشة مجتمعية مستنيرة. النيّة يا أستاذ مجدى - إذا صدقت - تفعل المستحيل، تدفع إلى التفكير والحركة والتدبير والتنفيذ أما إذا لم تتوفر فإن كل ما نسمعه أو نراه أو نقرأه على لسان المسؤولين فى مصر وفى كل موقع إنما هو من قبيل (طق الحنك) كما يقول الشوام، تصريحات نارية تعدد إنجازات لم تتحقق وتعد بأحلام لن تكون، مجرد كلام فى الهواء يكشفه الواقع المتراجع كل يوم وفى كل اتجاه، ولأنه لا حساب أو مساءلة فالتصريحات الوردية النارية مستمرة ومتواصلة ربما من أكثر من خمسين سنة فى مصر، منذ أن قمع صوت الشعب الحقيقى ليعلو صوت الحاكم والحكومة، وتختصر الدولة فى شخص الرئيس، ويعجز البرلمان عن المساءلة ويكبل بالخمسين فى المئة من الأصوات الناعمة النائمة، ويطرز الدستور بخيوط المصلحة الشخصية وتنفق الأحزاب الكسيحة على أعتاب الحزب الواحد. النيّة الخالصة لوجه اللّه والوطن يا أستاذ مجدى تستطيع أن ترفع ليس من شأن القاهرة فقط وإنما من شأن مصر كلها، تعالج جروحها التى أدمت جسدها ودفعت بها إلى مصاف صغار الدول فلا وزن دوليًا حقيقيًا أو إقليميًا مع استخفاف عربى وانسلاخ أفريقى وتراجع مروّع فى التعليم والثقافة والصحة ومستوى معيشة الأغلبية وحياة تجّتر أمجاد الماضى فقط، عندما كنا وكان من حولنا، النيّة كان يمكنها أن تُّعمّر سيناء وتنقل إليها كما يقول العالم المصرى فاروق الباز ثلاثين مليونًا للحياة والصناعة والسياحة ولا تتركها فريسة سهلة للخطط الإسرائيلية، وكان يمكنها أن تلتفت إلى ممر التنمية الذى اقترحه على امتداد صحراء مصر الغربية والذى دخل إلى دهاليز الأدراج ولن يخرج منها أبدًا، النية كانت ستستثمر أفكار د. رشدى سعيد فى تعمير صحارى مصر والاستفادة القصوى بمياه النيل والغاز الطبيعى بدلاً من تبديده على الأعداء والأصدقاء، وبآراء د. زويل فى نهضة علمية طار بها إلى دول الخليج عندما يئس من موطنه، الزراعة لها حل، وإسكان المواطنين محدودى الدخل له حل، العشوائيات لها بديل يعرفه علماؤنا الذين يعيشون مع اليأس والإحباط وقلة الحيلة، النظافة والجمال والتنسيق، المساواة أمام القانون والعدل بين الناس لها قواعد، مواجهة حوادث الطرق، وكسر الاحتكار ومنع تبديد أراضى الدولة على حفنة صغيرة دون غيرهم، كل ذلك له قواعد وإجراءات وقرارات معروفة ومفهومة وكم من بلاد نهضت وعلت فى غضون سنوات قليلة عندما تولى توجيه أمورها من توافرت لديهم النيّة الصادقة الخالصة فى النهوض والتطور واستشعر الناس عمق إيمانهم بالوطن والمواطنين. مشاكلنا وأزماتنا وأحوال مدننا وقرانا وعاصمتنا التى تئن وتتوجع ليست مستعصية على الحل ومرحبًا يا أستاذ مجدى بمبادرتك لتفعيل الحلم والبحث عن الأفكار المبدعة لكن الخوف كل الخوف على هذه الأفكار المبدعة أن تُخنق وتُقتل عند مسؤولى العاصمة الذين يشهدون كل يوم موتها البطىء ويكتفون بالفرجة وبالتصريحات النارية. لماذا؟ لأنهم ليست لديهم النية وبالتالى ولا الرغبة ولا القدرة على تغيير أى شىء. [email protected]