وافق البرلمان الروسى، أمس الأول، على تعديل دستورى، يجعل الفترة الرئاسية الواحدة ست سنوات، بدلاً من أربع، وهى خطوة فهم منها العالم أن هناك اتجاهاً لأن يبقى الرئيس الروسى فى منصبه، لفترة واحدة فقط، يغادر بعدها قصر الرئاسة إلى الأبد، ولا يكون من حقه أن يرشح نفسه مرة أخرى، ولو لساعة واحدة.. إذ تكفى ست سنوات جداً، لمن يريد أن يقدم لبلاده شيئاً كرئيس.. وفى فرنسا، كان الرئيس السابق شيراك، قد سولت له نفسه، أن يخوض معركة الرئاسة فى مايو قبل الماضى لفترة ثالثة، ثم تراجع على الفور بعد أن أدرك أن الدستور، إذا لم يكن يمنعه، فالحياء يجب أن يمنعه، والذوق وحده يجب أن يجعله على قناعة تامة بأن فترتين فى قصر الإليزيه كافيتان تماما.. وقد كان الرجل ذاته هو الذى بادر طواعية، فى فترة رئاسته الثانية، بإجراء تعديل دستورى، انخفضت بمقتضاه الفترة الرئاسية الواحدة، من سبع إلى خمس سنوات! وإذا كان دستورنا الحالى، الذى خرج إلى الوجود عام 1971، وأطلقوا عليه وقتها «دستور مصر الدائم»، يتكون من 211 مادة، فإن مادة واحدة فيه، هى الأهم، وهى الأخطر على الإطلاق.. إنها المادة 77، التى كانت تنص عند وضع الدستور، فى أول عصر السادات، على أن رئيس الجمهورية من حقه أن يرشح نفسه لفترة ثانية فقط، بحيث يكون الحد الأقصى لبقائه فى الحكم فترتين، مجموعهما 12 عاماً، ولا يزيد على ذلك يوماً واحداً.. كان دستورنا عصرياً حقاً، عندما كان على هذه الصورة، فى مادته هذه على وجه التحديد، لأن أى إصلاح يبدأ من عندها، وينتهى عندها أيضاً.. غير أن سوء حظنا، وسوء حظ كل إنسان فى البلد، دفع هوانم البرلمان، الذى كان قائماً عام 1980، إلى اقتراح تعديل دستورى، أضاف إلى المادة 77 بضع كلمات وضعت البلد كله فى سجن بلا نافذة، ولا باب.. لقد نص التعديل، الذى جرى فى مايو 80، بتحريض من هوانم البرلمان، على أنه من حق الرئيس أن يرشح نفسه، «لمدد أخرى»!! وهكذا، فإنهم حين فتحوا المادة، على هذه الصورة، كانوا فى اللحظة ذاتها، قد أغلقوا الدنيا على مصر، لأن معنى أن يرشح الرئيس أى رئيس نفسه، لمدد أخرى، أن تتجمد الحياة، على كل مستوى، إذا ما تجاوز الرئيس فى منصبه، فترتين، هما المدة الطبيعية التى يبقاها أى رئيس بموقعه، فى العالم! وهكذا.. فإذا كان الدستور الأمريكى قد أسس له الآباء الستة العظام، المعروفون فى التاريخ الأمريكى، وإذا كان دستور 1923 عندنا، قد أسس له نخبة من رجال الفقه والقانون، ضمت ثلاثين رجلاً.. وإذا كان دستور 1954 قد عكف عليه خمسون رجلاً من القامات فى كل ميدان وقتها، فإن دستور 71 قد أسست له الهوانم، بالتعديل الشهير، وليس من الممكن، الآن، أن يقال إنه تأسس عام 71، لأن دستوراً يضم المادة 77 بصورتها الحالية، ليس دستوراً بالمعنى المفهوم عن الدساتير فى أرجاء الدنيا! المادة 77، قبل تعديلها على أيدى الهوانم فى عام 80، كانت تعنى إضافة جديدة، على كل مستوى للبلد كل 12 عاما.. وبعد تعديلها أصبحت تعنى تفريغ كل شىء من محتواه، ومن قيمته، بل وتفريغ البلد كله من معناه، وأصبحت مجهضة للأحلام، وقاتلة للآمال! وإذا سمعت أنت من يتكلم عن أى إصلاح، من أى نوع، فى أى وقت، قبل إعادتها إلى أصلها، الذى كانت عليه عام 71، فاعلم عن يقين، أنه يتكلم فى تفاصيل، وأنه يتجنب تماماً، أصل الموضوع!