ما جرى فى شمال سيناء مؤخرا بين قوات الشرطة وجماعات من قبائل سيناء، يحتاج إلى وقفة من الدولة المصرية أولا ثم من جميع القوى السياسية، وفى المقدمة منها الحزب الوطنى الديمقراطى، ثانيا. فمصدر الخطورة هذه المرة ليس وجود جماعة من المجرمين، أو جماعة أخرى من المهربين، أو حتى جماعة ثالثة من الإرهابيين، وإنما لدينا حالة من التحدى الصريح لسلطة الدولة بالاعتداء على رموزها، وخطف قياداتها، وقتل أفراد من الأمن، والتظاهر المسلح دون اعتبار لقانون أو قواعد حاكمة لجميع المواطنين. ومعنى ذلك أن لدينا حالة خطيرة مهددة للأمن القومى المصرى، لأن هذا الأمن لا يهدد فقط من قبل قوى خارجية لا تريد لنا خيراً، وإنما أيضا عندما تحدث حالة من التمرد الصريح على سلطة الدولة، أو عندما تتشكل جماعات حاملة للسلاح وتتحدى حق الدولة فى الاحتكار الكامل لمصادر القوة والتسلح فى المجتمع، فلا توجد دولة تحترم نفسها فى العالم تسمح لجماعات منها بحمل السلاح - إلا بقانون وتصريح محدد فى ظروف يتيحها القانون – أو تقبل أن تمارس هذه الجماعات عمليات عسكرية موجهة ضد سلطة الدولة. وحتى تكون الأمور واضحة، فقد كنت دائما واقفا إلى جانب أهل سيناء وقبائلها، ومقدرا لهم دورهم الوطنى فى الدفاع عن مصر فى لحظات صعبة، كما كنت دائما من المطالبين بتنمية سيناء تنمية حقيقية لأهلها أولا، ثم للاقتصاد القومى ثانيا، بما يعنيه ذلك من حق الملكية للأرض والمشروعات القومية والخاصة. لقد كنت دائما من المؤمنين بأن لأهل سيناء وقبائلها ديناً على مصر كلها، آن لها أن توفيه من خلال الاستثمارين العام والخاص معا، على أن يكون ذلك مصريا خالصا لا مكان فيه لأجنبى أو غريب. وفى الحقيقة فقد عبرت - وكان ذلك فى مقالات أو مواقف داخل مجلس الشورى أو المجلس الأعلى للسياسات، أو لجنة الشؤون العربية والأمن القومى فى مجلس الشورى - عن استيائى من كثرة الحديث عن سيناء مع قلة الفعل إزاءها على مدى السنين الماضية حتى أصبحت سيناء حالة من المناسبات التى نحتفل ونغنى لها ومن أجلها، ثم ينفض «المولد» بعد ذلك ولا يحصل أهل سيناء على الكثير. وأكثر من ذلك فقد كنت دوما مستنكرا للمعالجة «الأمنية» لأحوال سيناء، خاصة بعد أن حدثت العمليات الإرهابية فى طابا وشرم الشيخ ودهب، حيث قامت على العقاب الجماعى فى حرب لا يفوز فيها إلا من يكسب الجماعة ويعزل العناصر الإرهابية والفاسدة. كان هذا هو موقفى دائما، ولا يوجد ما يدعونى إلى تغيير موقفى، ولكن مثل ذلك أمر، وحمل السلاح ضد سلطة الدولة أمر آخر، وهو إشارة إلى تدهور الأمور، بأكثر مما هو مقدر ومعروف، وإلى وصولها إلى درجة من العمق، بحيث لا يمكن لا للدولة ولا للحزب ولا للحكومة بالطبع أن تقف مكتوفة اليدين. والواجب الأول على الجميع هو أن نعود ونفتح ملف سيناء بالجدية التى يستحقها، وبالاستثمار الذى يستحقه، وبالتقدير لشعب سيناء الذى يتمناه. وسوف يظل هذا الملف مفتوحا، وبأشكال مرعبة، إرهابا وتمردا حتى يتم الدمج السكانى والتنموى لسيناء بالوادى، بحيث يكون شبه الجزيرة امتدادا وعمقا استراتيجيا لمصر وأهلها، وليس منطقة حدودية منعزلة عنها. والواجب الثانى أن نعود مرة أخرى إلى بديهيات الأمور. فمع استقرار إمارة حماس فى غزة، واستمرار الإمارة فى انتهاك حدود مصر من خلال قنوات وأنفاق تهريب السلاح، كان طبيعيا أن تنشأ علاقة بين المسلحين على طرفى الحدود، بل إنه ليس من المستبعد إطلاقا أن حماس تعرف جيدا مدى التناقض بين فلسفتها وفلسفة مصر، سواء فيما يتعلق بمبادئ حركة الإخوان المسلمين، أو بالموقف من الصراع العربى - الإسرائيلى. وحماس المعزولة دوليا، والمخنوقة داخليا، تريد أوراقا للضغط على مصر، ولا يوجد هناك من ورقة أقل من اللعب بقبائل سيناء أو بعض من عناصرها الغاضبة لأسباب قد تكون مشروعة، ولكنها فى النهاية تصب فيما تريده حماس من قلق لمصر. علينا أن نفتح الملف من أوله، فقد حان وقت الحساب، فبعد خطف قادة الشرطة وإطلاق الرصاص على رجال الأمن، لا يوجد وقت هناك لأنصاف الحلول، سواء على مستوى العلاقة بين سيناء والوادى، أو بين مصر وحماس!!