أنا مقدر ومتفهم لكل ردود الفعل الغاضبة التى وصلتنى تعليقاً على مقال أمس الذى طالبت فيه بإعادة النظر فى رفض تجسيد العشرة المبشرين بالجنة على الشاشة والسماح بدراما الفاروق عمر بن الخطاب بالظهور إلى النور بدون حجب شخصيته، فنحن قد تعودنا على أن المناقشة العقلانية المنطقية لما نتوهم أنه من الثوابت الراسخة شىء مستفز لكسلنا الفكرى، وأننا أسرى الألفة والتعود والبديهية التى لا تناقش والمعلوم بالضرورة الذى لا يمس، ولذلك سأحاول وبالمنطق أن أفصل ما لخصته، أمس، وأعرض المزيد مما يدعم وجهة نظرى ويوضحها. القضية لها شقان، شق دينى وشق درامى، ولابد أن نفتتح المناقشة بأن قضية التجسيد الدرامى للعشرة المبشرين بالجنة لم يناقشها القرآن أو تذكرها الأحاديث النبوية أو حتى كتب الفقه سواء القديمة أو الحديثة، إذن نستطيع وبكل راحة ضمير أن نقول إنها ليست قضية دينية كهنوتية حكراً على الأزهر أو مجمع البحوث، وبعد أن استبعدنا الشق الدينى نأتى إلى الشق الدرامى والذى من حق كل إنسان أن يناقشه بلا أى غضاضة، وهذا الشق الدرامى هو الشق الغائب عن الأزهريين وأيضاً عن المهاجمين المصدومين فيما كتبت، وتأتى الصدمة وينبع اللغط من عدة أشياء تتعلق بطبيعة الدراما التى نجهل أبجدياتها لأنها نبت وزرع تم تهجينه من الإغريق وأوروبا ثم غرسه فى حقلنا الفنى الذى لم يكن يعرف إلا فن الشعر. المعارضون لا يريدون أن يفهموا أن حالة التشخيص والتخييل والاندماج مرتبطة بالعمل الفنى الذى يجلس أمامه المشاهد، الآن، وفى هذه اللحظة، ولا يسأل المشاهد عن «سى فى» الممثل ولا يطلب من صناع العمل «فيش وتشبيه أخلاقى»!!، وهناك عقد غير مكتوب بين المشاهد والممثل بتصديقك فنياً، الآن، وبعدها ماليش دعوة بيك، وقد كان العرب يتعاملون مع فن الشعر بهذه الطريقة، فلم يكن حسان بن ثابت، شاعر الرسول، ملاكاً أو نبياً ومن المؤكد أنه كانت له سقطاته الإنسانية، ولكن مستمعيه من العرب صدقوا شعره عن الرسول، وحتى أبونواس عندما كتب فى آخر أيامه شعراً متصوفاً دينياً لم يحاسبه العرب على خمرياته وأشعاره الماجنة السابقة بل على العكس اعترفوا بفحولته الشعرية وحفظوا ديوانه كل هذه السنوات حتى جئنا نحن المعاصرين بنفاقنا المعهود وتملقنا المزمن وعشقنا للشكليات فصادرناه!. السؤال الذى يفرض نفسه: لماذا يرتبط التجسيد الدرامى بالصورة لشخصية نقدسها بالإهانة؟!، ولماذا عندما نكتب عنها بالقلم لا يحدث هذا الارتباط الشرطى؟!، أعتقد أن الإهانة هى فى المضمون وليس الشكل، وكم من كتب تراث موجودة على رفوف مكتباتنا ومنها مكتبة الأزهر نفسه تهين هذه الرموز الدينية سواء بأحاديث مختلقة أو روايات تاريخية مفبركة يندى لها الجبين خجلاً!!!، ولا يقف منها مجمع البحوث الإسلامية الموقف نفسه، وأعود لأكرر أنه الخوف من الصورة التى تعنى الحقيقة التى من لحم ودم، نحن نكره الصورة ولذلك نخاف الفن التشكيلى والسينما والنحت، وكما يردد البعض، الآن، بسذاجة عن تحريم النحت وتحطيم التماثيل لأنها تفتن الناس فى دينهم، يتحدثون بالنغمة نفسها عن الدراما، ويتناسون أن إنسان القرن الحادى والعشرين الذى يشاهد «أفاتار» ويعرف أنه تمثيل لا حقيقة، مختلف تماماً عن إنسان العصر الجاهلى الذى كان يسجد للات والعزى!، بل مختلف عن مصرى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الذى عندما شاهد مفرقعات الحملة الفرنسية صرخ: «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف».