في أحد الأيام و أثناء ممارستي للعادة الإنجليزية الشهيرة Afternoon Tea، و كعادتي كنت أقلب بين القنوات الفضائية باحثا عن شئ يستحق المشاهدة سواء كان فيلما جديدا أو برنامج مفيد أو أي شئ آخر، توقفت لبرهة لمشاهدة برنامج حواري يناقش مشاكل يتحلى بها المجتمع المصري، قررت أن أغير القناة و لكني وجدت نفسي منجذبا للحديث الذي يدور بين مقدمة البرنامج و الضيفة، فلقد كان الحوار شيقا و مثيرا و مستفزا في نفس الوقت، ضيفة البرنامج و التي كانت إمرأة في العقد الرابع من العمر تقريبا و التي لا أتذكر إسمها تمتهن مهنة غريبة على عالم النساء - على الأقل بالنسبة لي - ... فهي تعمل " فتوة " , و بغض النظر عما إذا كان عصر الفتوات قد إنتهى أو أن هذه المهنة تحتاج إلى رجل قوي البنية سليط اللسان، فهذه السيدة ما زالت تعمل فتوة و على حد تعبيرها فلقد ورثت هذه المهنة عن والدها و والدتها. و هنا بدأ الحوار يتضح أكثر و أكثر فهذه السيدة بالتحديد تعمل " بلطجية " و هذا التعبير ملائم أكثر بالنسبة لي حيث أننا بالفعل نعيش الآن في زمن البلطجة و العافية و القوة و الدراع، حتى الآن مازال الحوار شيقا و مثيرا حيث أنه من الوارد و كنتيجة لأسلوب التربية الخاطيء أن يظهر للمجتمع المجرم و البلطجي و القاتل و .. و .. ، لكن ما جعل الحوار مستفزا - على الأقل أيضا بالنسبة لي - أنه عندما طلبت مقدمة البرنامج من السيدة أن توضح لها كيف و متى يتم تأجيرها للقيام بالبلطجة على شخص ما قالت بدون تردد " يعني مثلا لما تكون في واحدة زعلانة إن جوزها إتجوز عليها فبتأجرني علشان أبوظ الفرح و الجوازة لأنها بتبقى ست غلبانة و جوزها قسي عليها، فقالت لها المذيعة "لكن الشرع يحلل للرجل أن يتزوج مرة و إثنتان و ثلاث و أربع"، فردت السيدة و قالت " لأ بس ربنا بيقول برضه و إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة "، الغريب و المستفز هنا أن السيدة و في كل إجابة كانت تستشهد بآية قرآنية أو حديث شريف أو تتحدث بعقلانية شديدة كأنها تعمل كمصلحة إجتماعية أو داعية إسلامية . هنا كان لابد لي أن أتوقف قليلا لأعيد ترتيب أفكاري، فقديما و على حد علمي كان البلطجي أو الحرامي يعلم أن ما يقوم به هو شيء خاطئ منافي للأخلاق و يحاسب عليه القانون، أما الأن فلقد تغير الفكر و أصبح هناك إقتناع لدى هذه السيدة أن ما تقوم به هو أمر طبيعي و صحيح و مطلوب لإعادة التوازن للمجتمع - على حد إعتقادها - و الدليل على هذا أنها ظهرت في برنامج تلفزيوني له جماهيرية كبيرة بدون خوف من المسائلة القانونية، و ينطبق هذا المثال على كثير من البلطجية - رجالا أو نساء - الذين يعتبرون أنفسهم أنصار للغلابة و أنهم يقدمون خدمات جليلة للمجتمع، و السؤال هنا هل الأن أصبحت البلطجة أمر طبيعي و مشروع ؟؟ هل سنجد في القريب أن شخص ما مكتوب في بطاقته الشخصية أن المهنة بلطجي ؟؟ هل ستكون لهم نقابة ؟؟ هل سيقوم نقيب البلطجية بطلب صرف تعويضات لأعضاء النقابة في حالة حدوث عاهات مستديمة لهم جراء مشاجرة مع شخص آخر ؟؟ هل ستصرف النقابة معاشات للأعضاء الذين تخطوا سن الستين ؟؟ ... أسئلة كثيرة في إنتظار الإجابة عنها.