أظن أنه لا أحد يختلف حول مدى فداحة وتردى بل خراب الأوضاع فى مصر من كل ناحية. وما أظن أن الإخوة الذين جاءت بهم أقدارهم لحكم مصر فى هذه الآونة التعسة يغفلون عن شىء من ذلك وإن حاولوا المكابرة وخداع النفس والتعلق بالأوهام. والسؤال الآن: هل إلى خروج من سبيل؟ لابد من مقدمة ضرورية للإجابة عن هذا التساؤل، أن نتفق جميعاً أو أن تتفق القوى الفاعلة- سواء فى الحكم أو فى المعارضة- على تشخيص هذا الوضع التعس وعلى المخاطر الرهيبة التى تنتظرنا جميعاً- تنتظر كل المصريين الذين يعيشون فى بلد واحد ويركبون مركباً واحداً- وبعد هذا التشخيص الذى ما أظن أنه خاف على أحد نتفق على سبل الخروج. هناك افتراض أن الذين يحكمون مصر يتصورون أنهم هم الذين يحكمون فعلاً وأنهم يحكمون من أجل مصر. وهناك افتراض آخر أنهم يعرفون أنهم يحكمون لصالح أمريكا ومن ورائها إسرائيل وهم ليسوا إلا سماسرة. وسأكون حسن الظن وأتصور أن الفرض الأول هو الصحيح. فى هذه الحالة، الذى يفعله أى عاقل لو كان فى الحكم مكان الإخوة الموجودين الآن فى هذه الظروف والذين لابد أن لديهم من الوسائل والأجهزة ما يعلمهم بمدى ما وصلت إليه حال البلاد. ذلك أمر لا يخفى على رجل الشارع العادى فما بالك بمن هم فى المسؤولية. إذا كانوا يدركون ولابد أنهم يدركون- مادام يفترض فيهم الأهلية والعقل- فإنهم لابد أن يراجعوا أنفسهم. هل بقاؤهم فى الحكم على هذا النحو وفى هذه الأجواء هو فى صالحهم أو فى صالح أحد على الإطلاق. أى عاقل لابد أن تكون إجابته بالنفى. إذن كيف يتصرف هذا العاقل الذى يحمل هذه المسؤولية؟ حتى نخفف الأمور ولا نعقّدها وحتى نفرق بين رئاسة الجمهورية من ناحية والحكومة والمجالس المنتخبة من ناحية أخرى. ليبق رئيس الجمهورية على ذلك الكرسى الضخم الوثير وليستقبل الوفود القادمة من الخارج وليكرر ما اعتدنا أن نسمعه منه من كلمات طيبة ونوايا حسنة. ويقتصر دوره على ذلك حتى يكمل مدة رئاسته بسلامة الله. أما الحكومة بسلطاتها المختلفة فلابد أن تتشكل فى الفترة القادمة على نحو آخر. لابد أن تنتهى قاعدة الاستئثار بكل شىء وإقصاء الناس جميعاً من كل شىء. لابد أن يعاد تشكيل الوزارة من عناصر مقتدرة ومقنعة للرأى العام. وأنا أعتقد أن مصر مليئة بالأكفاء من أبنائها القادرين على تحقيق الأمرين «المقدرة والإقناع» إذا حسنت النوايا فى الاختيار وإذا ابتعدنا عن قاعدة الاستئثار بكل شكل وإقصاء الناس جميعاً عن كل شىء. لابد من تشكيل وزارة جديدة قادرة ومقنعة وعارفة معرفة حقيقية مدروسة بمشاكل البلد وبأوضاعه الاقتصادية الرهيبة ولابد أن نصارح الناس بالحقائق حتى يستطيعوا أن يتحملوا معها المواجهة. هذه خطوة أولى أساسية ولكنها ليست كل شىء.. إنها ليست سوى مقدمة لما هو أخطر وأهم. لابد من عودة حقيقية لحكم القانون. سيادة القانون لابد أن تكون أساس الحكم فى الدولة. وهذه مقدمة ضرورية للدولة المدنية الديمقراطية. ويترتب على ذلك ضرورة إعادة النظر فى البناء الدستورى كله الذى اختل منذ تكوين لجان تأسيسية من لون واحد لكى تنتهى إلى دستور غير توافقى بل غير دستورى فى جوهره. لابد من مواجهة ذلك كله بشجاعة وبتجرد من أجل إنقاذ هذا البلد ومن أجل مستقبل الأجيال القادمة ومن أجل أن نبدأ رويداً رويداً فى اكتساب ثقة الناس فى الداخل وفى الخارج. ولابد أن نعلى فكرة المواطنة فعلاً وليس قولاً فحسب، ودائماً أضرب لهذا الموضوع مثلاً فى الحياة القريبة منى: كم جامعة حكومية لدينا وكم رئيس جامعة مسلماً وكم رئيس جامعة مسيحياً؟ كم محافظاً لدينا وكم محافظاً مسلماً وكم محافظاً مسيحياً؟ وكم سفيراً لدينا وكم منهم مسلماً وكم مسيحياً؟ أنا لا أنادى بفكرة المحاصصة العددية. هذا أسوأ شىء يتصور. ولكن أنادى بأن يكون المعيار هو الكفاءة والعلم والمقدرة وليس الانتماء الدينى أو السياسى. إذا أردنا المخرج من هذا المأزق الخطير الذى يهدد بانهيار مصر كلها فهذا بعض الطريق الذى أقترحه، وعندئذ سيذوب الجميع مع الجميع، لن توجد هناك جبهة للإنقاذ لأننا سنكون جميعاً جبهة إنقاذ مصر. نعم توجد أحزاب وتتنوع لأن التعددية الحزبية الحقيقية من شروط الديمقراطية ولكن مصر فى هذه المرحلة تحتاج لكى ننقذها إلى أن نضع أيدينا جميعاً فى أيدى بعض. مصر أمنا جميعاً. مصر فى خطر داهم. مصر تنادينا فهيا نلبى النداء. والله المستعان.