على الرغم من أن نسبة تأييد الأتراك لتعديل الدستور لم تتعد نسبة ال60%، فإن الموافقة على التعديلات الدستورية تعد نصرا جديدا لحزب العدالة والتنمية، واستمرارا لتدعيم موقفه وموقعه فى مواجهة الأجهزة العلمانية. واعتبر الكثير من المراقبين أن نسبة تأييد تعديلات الدستور تجعلها نصرا «منقوصا» لحزب العدالة والتنمية فى مواجهة خصومه. وساعد حزب العدالة والتنمية على إجراء التعديلات الدستورية أن غالبيتها يصب فى خانة تدعيم حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو ما رآه الأتراك إيجابيا ومساندا لسعى بلادهم للالتحاق بركب الاتحاد الأوروبى، وساهم هذا، مع شعبية «العدالة والتنمية» المرتفعة»، فى وصول نسبة الإقبال على التصويت إلى 78% وهى نسبة قياسية حتى بالنسبة للدول العريقة فى الديمقراطية. وتشمل تعديلات الدستور 26 تعديلا مختلفا، بعضها يتعلق بحقوق المرأة والعمل وغيرهما، غير أن أهم التعديلات تتعلق بالسماح للمحاكم المدنية بمحاكمة العسكريين، ونزع قدرة القضاء التركى على حل الأحزاب السياسية، بما يؤكد أن العدالة والتنمية يسعى من خلال التعديلات إلى نزع أنياب القوتين العلمانيتين المناهضتين له، بما يتيح له البقاء فى السلطة وإكمال برنامجه السياسى دون أن يخشى من انقلابات الجيش وعراقيل القضاء. وعلى الرغم من أهمية «انتصار» العدالة والتنمية فى تعديل الدستور، فإن هذا من شأنه أن يزيد الاستقطاب بينه وبين أحزاب المعارضة التركية التى سيتزايد قلقها من قوة الحزب، خاصة أن المعارضة التركية اتخذت موقفا موحدا فى مواجهة العدالة والتنمية برفض تعديلاته المقترحة، على الرغم من اتفاقها ومعايير حقوق الإنسان والديمقراطية إلا أن سبب الرفض لأنها جاءت من العدالة والتنمية، فخشيت الأحزاب أن تدعم بمؤيديها استفتاء يزيد من قوة الحزب الإسلامى. وتأتى نتائج التعديلات الدستورية لتزيد من قدرة العدالة والتنمية على التوسع فى الأدوار التى يلعبها محليا وإقليميا، فلاشك أن تأييد الاستفتاء يمنحه القدرة على الاستمرار فى مفاوضات السلام التى بدأها مع الأكراد غير أنها توقفت تحت ضغط الجيش –الذى تم تقويضه بعض الشىء بالتعديلات- والمعارضة كما ستسمح لأردوجان بالاستمرار فى سياسته الخارجية القائمة على إقرار التوازن فى علاقة تركيا الخارجية ما بين أمريكا وإسرائيل من جهة وسوريا وإيران من جهة أخرى، مع التوسع فى نظرية أحمد داود أوغلو وزير خارجيته فى فرض سياسة خارجية «خالية من المشاكل». ومن المؤكد إذن أن التعديلات الدستورية تشكل نصرا لا جدال فيه للعدالة والتنمية فى مواجهة جميع خصومه، غير أن الحزب أثار المخاوف من تنامى قدراته بما قد يزيد من حدة خصومه فى محاربته، بما يفرض على العدالة والتنمية الاستمرار فى سياسة «الخطوة خطوة» التى كان يتبعها وربما يفرض عليه فترة من «الكمون» لتهدئة الأجواء فى البلاد، حتى موعد الانتخابات القادمة فى 2011.