تهدف هذه السلسلة إلى طرح مفاهيم تفاوضية جديدة تستجيب وتجيب عن حالة وماذا يحدث عندما يكون الطرفان أو أحدهما فى حالة عدم استقرار، أو فى قول آخر، إذا كانت المفاوضات بالتعريف والمنطق تتطلب إعادة تعريف الاستقرار بين الطرفين فى سبيل بناء استقرار جديد بينهما، أى نقطة البداية المعرفية هى وجود استقرار قاصر أو عاجز، وبالتالى يثير العديد من المعضلات العامة فى الأداء والشرعية التى تدفع إلى ضرورة التفاوض فى سبيل إعادة بنائه بشكل أكثر فاعلية، سعيا وراء استقرار أكثر شمولا أو حيوية. ماذا لو أن هذا الاستقرار العاجز، ولكنه ولا يزال متماسكاً فى أداء وظائفه السياسية والعامة، قد وصل إلى نقطة عدم الاستقرار والاضطراب. جوهر السلسلة هو كيف نفاوض بدءاً من نقطة الاضطراب وعدم الاستقرار سواء، كان هذا الاضطراب بين الدول، أو عبر الدول والمجتمعات، أو داخلى داخل الدولة. عموما الاضطراب وعدم الاستقرار داخل الدولة، خاصة فى حالة عدم الحرب الأهلية المسلحة، صار موضوعا مهماً من الموضوعات الجديدة فى علم التفاوض الدولى، نتيجة لتكاثر وتزايد ثقل وإثر عوامل التداخل بين الدول وسرعة تراكم عوامل ونتائج العولمة. ولكن مع تنامى مظاهر الاضطراب والصراع المدنى داخل الدولة لم نر اهتماماً نظرياً مساوياً رغم ما يظهر فيه من تدخل خارجى وإقليمى فاضح. قلة الاهتمام النظرى العالمى أدت إلى إفقار النخب الاستراتيجية من قواعد مرشده للتفاوض الدولى فى حالة الصراع المدنى الممتد بطبيعته خارجيا. دعنا فى البداية نؤسس التحليل على أسس سليمة وقوية فنقول التالى: يمكننا أن نحصر أنواع التفاوض بصفة موجزة وسريعة فيما يلى: 1- اتفاق لصالح الطرفين: وهو إذا ما انتهج الطرفان أو الأطراف المتفاوضة مبدأ أو منهج المصلحة المشتركة على أساس - إكسب وأكسب - ويكون التركيز هنا على ما يحقق صالح الطرفين، وهنا لابد أن تساعد الأطراف بعضها البعض على العمل معا للوصول إلى اتفاقات محددة يستفيد منها الجميع، ولابد أن يقتنع الطرفان المتفاوضان بأنه لابد من الوصول إلى حل وسط فى قضايا التفاوض المتعثرة، والاستراتيجيات التفاوضية التى يحاول الطرفان تبنيها هى تطوير التعاون الراهن. 2- التفاوض من أجل مكسب لأحد الأطراف وخسارة للطرف الآخر، وهذا النوع يحدث عندما لا يتحقق توازن فى القوة الشاملة بين الطرفين، وبسبب سوء اختيار أحد الأطراف لتوقيت التفاوض وحسن الاختيار من قبل الطرف الأقوى، كذلك يحدث هذا النوع من التفاوض عندما يكون الهدف من التفاوض مرحليا، بحيث لا يجرى الاهتمام كثيراً بالنظرة المستقبلية. 3- تفاوض الوسيط: إن دراسة مثل هذا النوع من التفاوض تعتبر من أهم نماذج دراسة التفاوض الرئيسية فى العالم سواء فى مجال التجارة والأعمال، أو صراع الدول وإدارة الأزمات، وهذا ما يعرف فى أدبيات العلوم السياسية بتوسط الطرف الثالث، يتم اللجوء للوسيط باعتباره محايدا ومتحررا من قيود عديدة وله مصلحة مفترضه للتوفيق بين الطرفين. إلا أن بعض المنظرين والمحللين يتشككون فى هذا النموذح لأن الطرف الثالث فى كثير من الحالات يكون منحازاً، خاصة فى المجال السياسى. فيرى فريق المحللين على سبيل المثال أن الطرف الوسيط وهو الولاياتالمتحدة فى حالة عملية السلام فى الشرق الأوسط هو فى واقع الأمر طرف منحاز فى عملية الاستراتيجية لصالح إسرائيل. مما سبق يقول لنا إن المعلم الأول لبناء النموذج للتفاوض الفعال فى حالة الصراع المدنى الممتد دوليا أن يظهر كل طرف أو يتم اعتبار كل طرف أن له مصلحة محددة غير قائمة المبادئ الأخلاقية العامة، وإنما مرتبطة بأسباب مادية معينة، وفى هذا توسيع مفهوم المادية ليحتوى المسائل المعنوية والرمزية. ونواصل التحليل.