إذا أردت أن تكون محظوظا بالتمرغ فى تراب السلطة الحاكمة، أو رغبت فى دخول جنة الحزب الوطنى، فلا تفعل سوى ثلاث خطوات: انضح من إنائك كل الشتائم والسباب ورشها على كل ما يقوله «محمد حسنين هيكل»، وهاجم الإخوان آناء الليل وأطراف النهار، ثم أتمم بالتسبيح بحمد جمال مبارك، تكن من المتسيدين الآمنين على مقامهم، الضامنين لمستقبلهم. أنا، مثلا، أقف على الضفة الأخرى من جماعة الإخوان، لكنى نادرا ما أقول فيهم كلمة، لأن غيرى من خدام الحزب الحاكم يفعلون ذلك بصورة مقززة، لدرجة أنهم جعلوهم وحوشا جبابرة، وليسوا أدوات نافعة للسلطة. كذلك «هيكل» انظروا إلى كم الشتائم التى نالها بسبب مبادرة يعرف قبل أن يعلنها أنها سترفض، وهى فى النهاية «فكرة» يؤخذ منها ويضاف عليها، ولا تزيد على كونها «محاولة» من رجل عرف وخبر الوضع، وحتى لا يصل الأمر إلى حد يمكن أن يكون «كارثة» لا يتمناها، ولا يرجوها أحد بالتأكيد، لكن كثيرين وجدوها فرصة للتقرب من السلطة، ومنهم وزراء كانوا يشعرون بأن مقاعدهم اهتزت من تحتهم وحان رحيلهم، فوجدوا فى الهجوم على «هيكل» قشة الغريق. البعض راح يطلق المسميات على «المبادرة» تارة يقولون إنها انقلاب وتارة أخرى يرونها فكرة عقيمة تعبر عن الماضى، وتارة ثالثة يتساءلون عن الأسماء التى نختلف عليها، لكنهم يرونها أسماء سماها «هيكل» ولا تحظى بجماهيرية، وكأن علينا أن نصدق أن المرشح «المحتمل» والحاكم «الموازى» هو من يحظى بجماهيرية طاغية، وإن لم نصدق فلننظر لمؤتمراته وجولاته فى مدن وقرى الفقر، وندقق فى الوجوه المشرئبة والعيون المتلصصة، والآذان المسترقة، ولا بأس أن نتساءل: مَنْ مِنَ الحضور لم يكن رجل أمن؟ وقبل أيام جاء ديفيد أوين محاضرا فى مؤسسة «هيكل» فأشعل الغضب فى كل المصريين، لأن هذا الرجل قال كلاما يمس كرامتنا، والغضب فى الحقيقة لم يكن من إنجليزى جاهل أو مدفوع برؤى صهيونية تعتبر أننا لم ننتصر فى حرب أكتوبر العظيمة، إنما الغضب كان من «الأستاذ» الذى سمح لهذا «الرجل» أن يهيننا فى عقر دارنا دون أن يرد عليه، وتابعت، كغيرى، سيل المقالات التى هاجمت، والتصريحات التى اتهمت «هيكل» مباشرة. وأنا أقف غاضبا، كغيرى، أتذكر أن «هيكل» لم ينكر، فى أى وقت، عظمة نصر أكتوبر، لكنه كان يرى أن السياسة لم تكن فى مستوى السلاح، مثلما لم يكن السلاح فى مستوى السياسة فى نكسة 67، وأنا أفهم مثلا سر غضب السفير السوفيتى فى مصر من 1970 إلى 1974، وقيامه بتأليف كتاب يعتبر انتصار أكتوبر مجرد اتفاق مع الأمريكان على كسر جمود الوضع فى الشرق الأوسط، وسر غضب السفير مفهوم، لأنه يرجع إلى إبعاد بلاده عن كل ما له شأن بهذا النصر، لكنى لا أفهم كيف يأتى إنجليزى لم يكن يوما محاربا إلى مصر لينكر ما اعترف به جنرالاته، دون أن يرد عليه أحد. الأخطر أن أحدا لم يقل إن «هيكل» لم يكن حاضرا هذه المحاضرة، وإنه - أى «هيكل» - عاتب أوين واعترض على ما قاله، فبادر أوين بالاعتذار.. هذا الكلام قاله «الأستاذ» فى حواره مع «المصرى اليوم»، لكن الذين لا يعرفون سوى السباب والشتائم لم يأخذوا بهذا الكلام ولم ينشروه لأنهم يصمون آذانهم عن الحقيقة التى ليست فى حساباتهم.