للكلمات قوة فى جذب النفوس والنفاذ إليها، وفى اختيارها فطنة للعارفين بالمعانى والمقاصد، والحزب الحاكم المعروف قهرا ب«الوطنى» يحاول كل عام قبيل مؤتمره السنوى استخدام شعارات لدغدغة مشاعر المصريين تتضمن كلمات للاستمالة والأمل من عينة «فكر جديد»، و«مصر بتتقدم بينا»، وأخيرا.. «من أجلك أنت». هذه الكلمات تحمل معانى مختلفة بحسب المتلقى، فرجال الوطنى يظنون أنها جيدة باعتبارها دعوة خادعة للمواطن بأنهم يبذلون قصارى جهدههم لرفاهته وإسعاده، بينما يراها أغلب المصريين دلالة على سقطات وعورات ثلاثة عقود مضت، ف«من أجلك أنت» تحولت فى ذهنى وأذهان الكثيرين إلى معنى للكوارث والأزمات التى لا تنتهى، قد تخونك الذاكرة فى حصرها لكنك تتذكرها لأنها محملة بمرارة مرتبطة بأحاسيس اليأس والإحباط والضعة، فأنت فاقد إرادة الفعل، يفكرون عنك ولك وأنت بعيد ككائن فضائى لم يطأ الأرض من قبل. سيدى المواطن أرغب فى أن أحدثك بهذه الصفة «سيدى»، ليعود إليك بعض من احترام فقدته لدى حكامك، فأنت لديهم الضعيف الواهن المغلوب على أمره، المنكفئ على ذاته، المتقوقع حول لقمة العيش، المنغمس فى الأمور العابرة، المؤمن بالمثل «الباب اللى يجيلك منه الريح»، الثرثار فقط فى منزله وجلسته الخاصة، أذكّرك بالسابق لا لجلدك بل لتذكرتك، وفى التالى أدون لك بعضا مما فعلوه من أجلك أنت طوال سنوات. من أجلك أنت غرقت العبارة السلام 98 وقضى أكثر من ألف مصرى نحبه، من أجلك أنت ألغينا مجانية التعليم وأصبحت فقط كلمة نتداولها، من أجلك أنت سمحنا لرجال الأعمال بتحويل الأراضى الصحراوية إلى منتجعات للأغنياء، من أجلك أنت دفعنا بنجل الرئيس للمقدمة لتقدم مصر إلى العالم نموذجاً جديداً للدولة «نصف الملكية». من أجلك أنت أغلقنا مصانع الغزل والنسيج حتى نفتح الباب لتوقيع الكويز مع الجارة إسرائيل، من أجلك أنت صدرنا الغاز إليها لتعيش هانئا مطمئنا آمنا فى دارك، من أجلك أنت انتهى اعتمادنا على الزراعة ليتفرغ الفلاح لمشاهدة التلفاز والدش. من أجلك أنت أعفيناك من اختيار برلمان بحيلة تاريخية يدلعونها بكلمة «تزوير»، معظم أعضائه من طينة من البشر لا تعرف سوى صيحة الموافقة، من أجلك أنت اخترنا حكومة من رجال الأعمال حتى يشعروا بمعاناتك، من أجلك أنت روينا ما تأكله من خضراوات وفاكهة بمياه المجارى، من أجلك أنت حصلنا على صفر المونديال وصفر اليونسكو وفى الطريق نسعى للحصول على أصفار جديدة. من أجلك أنت استولينا على مليارات التأمينات، من أجلك أنت سقطت صخرة الدويقة على مواطنين أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم فقراء، من أجلك أنت انكفأت مصر على الذات، من أجلك أنت أطلقنا اسم الرئيس وزوجته على كل المنشآت لتتذكره دائما، من أجلك أنت خلقنا احتكارات فى كل شىء بدءا من الغذاء حتى الحديد.. لن أجمله لكثرته، ولكن أذكّر به لقسوته. ويقول الفيلسوف «ماكس نورداو» فى كتاب المتناقضات «الضرورة مدعاة الجد ومبعث التفكير»، وأعتقد أن هناك ضرورة تحتاج إلى عقول تدرك وهمم تشحذ وقلوب تؤمن بأننا مواطنون ولسنا رعايا. [email protected]