سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مستقبل مصر الذي يعرفه الأمريكان ولا يعرفه المصريون.. إذا أراد شخص أن يتعرف على تقلبات السياسة والأفكار في مصر والعالم العربي عليه أن يتأمل مسيرة الراحل الدكتور مصطفى محمود.. وتخاريف مؤتمرات "الوطني" من أجل مقام "السيد" جمال مبارك ووريث العرش
كان لشعار "من أجلك أنت" الذي اختاره الحزب الوطني عنوانا لمؤتمره الأخير ، صدى كبير في صحافة القاهرة الصادرة أمس (الأحد) وأخذت في صحفها معاني مختلفة ، ناقلين بهذه المعنى شعور شعب مصر المسكين نحو هذا الشعار ، فقرأوه بطريقة : من أجلك أنت غرقت العبارة السلام 98 وقضى أكثر من ألف مصري نحبه، من أجلك أنت ألغينا مجانية التعليم وأصبحت فقط كلمة نتداولها، من أجلك أنت سمحنا لرجال الأعمال بتحويل الأراضى الصحراوية إلى منتجعات للأغنياء، من أجلك أنت دفعنا بنجل الرئيس للمقدمة لتقدم مصر إلى العالم نموذجاً جديداً للدولة "نصف الملكية" .. ونبدأ جولتنا اليوم من صحيفة المصري اليوم ، حيث أكد علاء الغطريفي أن للكلمات قوة فى جذب النفوس والنفاذ إليها، وفى اختيارها فطنة للعارفين بالمعانى والمقاصد، والحزب الحاكم المعروف قهرا ب«الوطنى» يحاول كل عام قبيل مؤتمره السنوى استخدام شعارات لدغدغة مشاعر المصريين تتضمن كلمات للاستمالة والأمل من عينة «فكر جديد»، و«مصر بتتقدم بينا»، وأخيرا.. «من أجلك أنت». هذه الكلمات تحمل معانى مختلفة بحسب المتلقى، فرجال الوطنى يظنون أنها جيدة باعتبارها دعوة خادعة للمواطن بأنهم يبذلون قصارى جهدههم لرفاهته وإسعاده، بينما يراها أغلب المصريين دلالة على سقطات وعورات ثلاثة عقود مضت، ف«من أجلك أنت» تحولت فى ذهنى وأذهان الكثيرين إلى معنى للكوارث والأزمات التى لا تنتهى، قد تخونك الذاكرة فى حصرها لكنك تتذكرها لأنها محملة بمرارة مرتبطة بأحاسيس اليأس والإحباط والضعة، فأنت فاقد إرادة الفعل، يفكرون عنك ولك وأنت بعيد ككائن فضائى لم يطأ الأرض من قبل. اللي يجليك منه الريح سيدى المواطن أرغب فى أن أحدثك بهذه الصفة «سيدى»، ليعود إليك بعض من احترام فقدته لدى حكامك، فأنت لديهم الضعيف الواهن المغلوب على أمره، المنكفئ على ذاته، المتقوقع حول لقمة العيش، المنغمس فى الأمور العابرة، المؤمن بالمثل «الباب اللى يجيلك منه الريح»، الثرثار فقط فى منزله وجلسته الخاصة، أذكّرك بالسابق لا لجلدك بل لتذكرتك، وفى التالى أدون لك بعضا مما فعلوه من أجلك أنت طوال سنوات. من أجلك أنت أغلقنا مصانع الغزل والنسيج حتى نفتح الباب لتوقيع الكويز مع الجارة إسرائيل، من أجلك أنت صدرنا الغاز إليها لتعيش هانئا مطمئنا آمنا فى دارك، من أجلك أنت انتهى اعتمادنا على الزراعة ليتفرغ الفلاح لمشاهدة التلفاز والدش. من أجلك أنت أعفيناك من اختيار برلمان بحيلة تاريخية يدلعونها بكلمة «تزوير»، معظم أعضائه من طينة من البشر لا تعرف سوى صيحة الموافقة، من أجلك أنت اخترنا حكومة من رجال الأعمال حتى يشعروا بمعاناتك، من أجلك أنت روينا ما تأكله من خضراوات وفاكهة بمياه المجارى، من أجلك أنت حصلنا على صفر المونديال وصفر اليونسكو وفى الطريق نسعى للحصول على أصفار جديدة. من أجلك أنت استولينا على مليارات التأمينات، من أجلك أنت سقطت صخرة الدويقة على مواطنين أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم فقراء، من أجلك أنت انكفأت مصر على الذات، من أجلك أنت أطلقنا اسم الرئيس وزوجته على كل المنشآت لتتذكره دائما، من أجلك أنت خلقنا احتكارات فى كل شىء بدءا من الغذاء حتى الحديد.. لن أجمله لكثرته، ولكن أذكّر به لقسوته. ويقول الفيلسوف «ماكس نورداو» فى كتاب المتناقضات «الضرورة مدعاة الجد ومبعث التفكير»، وأعتقد أن هناك ضرورة تحتاج إلى عقول تدرك وهمم تشحذ وقلوب تؤمن بأننا مواطنون ولسنا رعايا. لا عمرو ولا زيد عن المؤتمر أيضا يحدثنا محمد أمين في صحيفة الوفد "الحزبية" ، يقول : ليس هناك ورقة واحدة في مؤتمر الحزب الوطني تتحدث عن الترشح للرئاسة.. وليس هناك نية داخل المؤتمر لتسمية المرشح الرئاسي.. ومع ذلك فالناس لا تصدق أن المؤتمر من أجل الفقراء، وليس من أجل جمال مبارك.. ولا أحد يصدق »جمال« نفسه عندما ينفي خوضه انتخابات الرئاسة القادمة.. ولا أحد يصدق صفوت الشريف عندما يقول إن الوقت مبكر للحديث عن انتخابات الرئاسة، وتسمية مرشح الحزب الوطني.. لا أحد يصدق في الداخل.. ولا أحد يصدق في الخارج.. لأنه لا يوجد نوع من الوضوح والشفافية في التعامل مع هذه القضية.. وبسبب عدم الشفافية زاد الرأي العام قلقاً، وزادت النخبة قلقاً علي مستقبل مصر.. المستقبل الذي يعرفه الأمريكان ولا يعرفه المصريون.. أصحاب المصلحة الحقيقية.. لا أحد يصدق في الوقت الذي تحدث فيه »نظيف« وحسام بدراوي أن جمال مرشح »محتمل«، وأن الرئيس قد يعتزل!! لا توجد ورقة واحدة تتحدث عن الرئاسة.. فالأوراق المطروحة علي المؤتمر تتحدث عن فقراء.. وتتحدث عن ثورة، تحت شعار »من أجلك أنت«.. ولا أحد يسأل نفسه وأين كان النظام كله منذ 28 عاماً.. ألم تكن هذه السنوات كافية لإنجاز شيء له قيمة.. فكيف يمكن أن يحل »عام واحد« أو عامان مشكلة شعب.. محمد كمال وأحمد عز ويضيف أمين : إنه الخداع الذي لا يمكن السكوت عليه.. لأن مصر ليست ملكاً للحزب الوطني.. ولا لأمانة سياساته.. ولا لجمال مبارك ورجاله.. صحيح كان من الممكن أن يكون هناك حل علي مدي عشر سنوات.. ولكن ذلك لم يحدث علي مدي 28 عاماً كاملة.. لأن النية غير صادقة، ولأن الرغبة غير قائمة.. وأظن أن منظمي المؤتمر يعرفون أن السنوات التي مرت، لم تكن من أجل الناس.. إنما كانت من أجل النظام الحاكم وحده!! لا توجد ورقة واحدة عن الرئاسة.. ومع هذا فهو مؤتمر ما قبل انتخابات الرئاسة.. لا توجد ورقة ولكن توجد »تسريبات« حتي »يتشرب« الرأي العام بالحكاية.. »تسريبات« مرة من نظيف، ومرة من »الشريف«.. ومرة من حسام بدراوي، لكن أكثر ما أدهشني في تصريحات »بدراوي« المتطلع لحقيبة التعليم.. ما قاله أن الحزب الوطني لديه أكثر من مرشح للرئاسة غير »جمال«.. منهم محمد كمال وحسام بدراوي وعلي الدين هلال.. وسبب الدهشة أن بعض الأسماء التي طرحها لا تصلح لمجلس محلي محافظة.. فكيف برئاسة جمهورية.. إلا أنه لم يذكر »نظيف« ولا عمرو موسي.. مع أن أحدهما رئيس للوزراء.. والآخر أمين الجامعة العربية.. كما أن »موسي« لديه الشعبية التي تؤهله.. وربما لهذا السبب لم يكن أي منهما في الهيئة العليا مثل محمد كمال وأحمد عز!! دراويش الحزب من صحيفة صوت الأمة "الأسبوعية" ، تساءل أحمد أبو الخير : لماذا لم تقرر الحكومة إلغاء مولد الحزب الوطني السادس تفعيلا لقرارها بإلغاء الموالد تفاديا لانتشار أنفلونزا الخنازير ؟ فمؤتمر الحزب الوطني تنطبق عليه كل مقومات الموالد ، فهو من جهة يرتاده دراويش الحزب من كل المحافظات من أجل مقام "السيد" جمال مبارك ووريث العرش ، ومن جهة أخرى فهو ينعقد وينفض دون الخروج بأي نتيجة إلا وصلة مديح في مقام جمال وآل لجنة السياسيات ، وهذا الحال ينطبق على كل المؤتمرات السابقة .. مكلمة وبس وفي المؤتمر الرابع جاءت كلمة جمال مبارك لتؤكد أنه المسيطر الحقيقي على الأمور في البلد ، عندما أعلن أن مصر لا تقبل ضغوطا خارجية ، وردا على انتقادات وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كونداليزا رايس عندما قالت إن مصر لا تحترم الأقليات وأن هناك بطئا في عمليات الإصلاح السياسي.. وهكذا هي حال جميع مؤتمرات الحزب الوطني التي لا تعدو أن تكون أكثر من مجرد "مكلمة" دون أن يكون هناك إنجاز على أرض الواقع .. المطالبة بالتغيير وعن خوف المصريين من التغيير عموما فضلا عن المطالبة به ، يحدثنا خالد دياب في صحيفة الشروق أنه وبينما يتجاوز المصريون تدريجيا شعورهم المتأصل بالخوف من السلطة، فإن العادات القديمة يصعب التخلص منها، ولايزال كثير من الصحفيين يمنعهم الرعب من المطالبة بالتغيير الذى يطمح إليه الشعب. ويدفع الخوف من العواقب بالبعض إلى التمسك بالصمت النبيل، بينما تروض أقلية نفسها على العمل ضد قناعاتها ومعتقداتها فى سبيل تملق النظام. ومن ثم، تمثل وسائل الإعلام صورة مصغرة من المجتمع الأوسع، حيث تقف الغالبية مكتوفة الأيدى، بينما تناضل مجموعة راديكالية صغيرة من أجل التغيير. وقد دفعنى الموقف فى وسائل الإعلام إلى تأمل دور الخوف فى المجتمع المصرى ككل، وتأثيراته على تطور البلاد. والخوف بالطبع غريزة إنسانية طبيعية وآلية فعالة للبقاء بل إنها يمكن أن تدفع إلى الابتكار والإبداع. علاوة على أنه لا يوجد مجتمع على الأرض لا تكون فيه حركة الإنسان مدفوعة جزئيا بالخوف. كما أن الخوف من النبذ أو الخسارة المادية يمكن فى حال ممارسته ببراعة أن يتساوى فى فاعليته مع أشكال الترهيب، مثلما يظهر فى الرقابة الذاتية التى تمارسها شرائح معينة فى الإعلام الغربى. أشكال التحدي ويعتقد دياب أن جميع المؤسسات الرئيسية فى المجتمع المصرى من الأسرة، والنظام التعليمى، والمؤسسات الدينية، وقطاع الأعمال، والدولة، والجيش ، قامت على الطاعة الكاملة. وبالنسبة للطبقات الفقيرة، حيث غالبا ما يؤدى التحدى إلى العقاب، وعلى نحو أسوأ، إلى النبذ والتهميش. غير أن الخوف وحده ليس كافيا. فالمؤسسات المصرية، خصوصا الأسرة، تبنى ترابطها على تقييد أفرادها بمشاعر الحب والانتماء. وهناك بالطبع، استثناءات كثيرة من هذه القاعدة، ولكنها تكفى لضمان امتثال معظم الناس على نحو سلبى وبصورة اختيارية تقريبا للوضع الراهن، وهو ما يجعل معظم أشكال التحدى، استثناء وليس قاعدة. ونظرا لأن الاختيار المستقل غير مرحب به فى المنزل، والتفكير المستقل غير مرحب به فى المدرسة، والمبادرة المستقلة غير مرحب بها فى مجال الأعمال أو المجال الأكاديمى؛ فليس مستغربا ألا يكون هناك عدد كاف من الناس يرغب فى الخروج عن السائد لأن القيام بذلك ينطوى على مخاطرة السقوط فى هاوية، بدلا من الحصول على المكاسب. سن الرئيس .. وسن رئيسهم إبراهيم عيسى في صحيفة الدستور "اليومية" التي يرأس تحريرها أكد أن كل واحد من جمعية منتفعي جمال مبارك حاول أن يرمي طوبة علي الأسماء التي طرحتها عقول وقلوب المصريين كمرشحين للرئاسة، واضح حجم الفزع والتوتر والقلق الذي انتاب أعضاء الجمعية ووراءهم طبعًا النجل شخصيًّا، غضب تحول إلي فزع من أن المجتمع لا يريده ولا يطيقه مطروحًا ومفروضا وأن الناس تنظر لأسماء ذات شعبية تكشف اهتراء شعبيته، وذات مصداقية تدغدغ تهرؤ مصداقيته، لكن من أطرف ما سمعناه من بعضهم هو الغمز واللمز في سن المرشحين، حيث إن الدكتور محمد البرادعي والدكتور أحمد زويل مثلاً قد تجاوزا الستين من عمرهما، وتبدو في لهجة جمعية الرفق بمشروع التوريث حالة من التهجم علي كون مرشحي الرئاسة بلغا هذا العمر فكيف بهما يفكران في الحكم (أو يفكر لهما الناس ) ثم كيف يتولانا من هم فوق السبعين؟! لا أعرف هل هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام يسمعون أنفسهم وهم يرددونه؟ من المؤكد أنهم يعانون صمماً عميقًا، وفي الأغلب فإن غضبهم أفقدهم الذاكرة فنسوا حقيقة هائلة الوضوح أن الرئيس حسني مبارك الذي يحكمنا قد تجاوز عمره الستين منذ عشرين عامًا وأنه وقت الترشيح القادم للرئاسة سيكون في الثالثة والثمانين، أطال الله في عمره ومنحه الصحة والعافية، وسيكون رئيسنا في الدورة السادسة لحكمه قد أوشك علي التسعين من عمره، ومع ذلك عمرنا ما سمعنا من جنس مخلوق فيهم انتقادًا لسن الرئيس الكبيرة وكيف يحكمنا من هو فوق السبعين وفوق الثمانين كمان، لو ترشح مبارك في الانتخابات القادمة لن تسمع صوتًا واحدًا منهم يتحدث لوهلة أو في همسة عن سن الرئيس التي توقفوا عن تحديدها في تحياتهم ومدائحهم وصلواتهم له في عيد ميلاده كل عام، فإذا بهؤلاء وأصنافهم يتحدثون عن سن البرادعي وزويل، دستة من افتتاحيات الصحف ويفترض عيسى أن لو جاءنا رئيس في الخمسين من عمره بتزوير الانتخابات المعتاد والثابت والفاضح ومع صلاحيات الرئيس الموجودة والمادة 77 المشئومة وبالبرلمان الماثل أمامكم فسيكون كارثة علي الوطن، أضف إلي ذلك لو كان هذا الخمسيني هو الوريث نجل الرئيس كأنها كمان عزبة تبقي كملت وخربت، ثم لو جاءنا ملاك بجناحين في ظل هذه الظروف المتاحة للرئيس مبارك فإنه سيتحول إلي فرعون خلال ثلاثة أشهر وبعد دستة من افتتاحيات الصحف الحكومية وخطبة عيد للشيخ «الأظهر»، لكن المفارقة هنا أن الرئيس جمال عبدالناصر توفي وهو في سن الثانية والخمسين، أي أنه كان في سن صغيرة ومع ذلك مات في ريعان رجولته، وإن كنت اتساقًا مع حادث اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أكاد أجزم أن عبدالناصر مات مسموماً بتدبير وقرار أمريكي إسرائيلي، وليس السؤال عندي هل سمموه أم لا بل السؤال بيد من في الداخل تم تسميمه؟، ثم إن الرئيس أنور السادات مات في سن الثالثة والستين، صحيح أنه مات مقتولاً في جريمة اغتيال مجرمة لكن قضاءه جاء في سن الثالثة والستين، إذن السن في الرئاسة ليست هي العامل الفاصل بل هي مجرد فصل!! زمن مصطفى محمود من صحيفة اليوم السابع كتب أكرم القصاص عن الراحل النبيل الدكتور مصطفى محمود ، مؤكدا أنه كان عنوان لعصر كامل بكل تناقضاته وصراعاته وأسئلته، وإذا أراد شخص أن يتعرف على تقلبات السياسة والأفكار فى مصر والعالم العربى، عليه أن يتأمل مسيرة الراحل الدكتور مصطفى محمود، الذى جمع بين أشياء كثيرة تبدو من الظاهر متناقضة. لكنها تطرح حيرة المثقف الموسوعى، وعدم استقراره وهو يبحث عن الأسئلة أكثر مما يبحث عن إجابات. حتى بعد أن استقر على يقين يراه محطته الأخيرة، لم يتوقف عن التأمل والتفكير. ولهذا من الصعب تصنيفه بشكل مريح ضمن التيار السائد الذى يفضل اليقين المريح، ويكره الأسئلة، ولهذا كثيراً ما اختلف معه السلفيون وهاجموا ما سموه "شطحات"، صنفوا من خلالها الرجل بعيدا عن فصائلهم. اشتهر الدكتور مصطفى محمود فى السبعينيات مع ظهور برنامجه الجماهيرى "العلم والإيمان"، الذى حاول فيه الجمع بين العلم والدين، وكان العلم هو عشقه الأول حتى آخر أيام حياته. قبلها كان قد عبر مسافات واسعة من الشك وانتقل منه إلى إيمان علمى حرص على أن يربط بينه وبين العقل، لكنه دون أن يتورط ككثيرين فى مهاجمة العلم والتجريب، الذى اعتبره أساس التقدم والنهضة. كتاب إلحادى في الستينيات بدأ مصطفى محمود رحلة الشك الكبرى، وبالرغم من أن كثيرين نظروا إلى كتابه "الله والإنسان" على أنه كتاب إلحادى، لكنه كان تعبيرا عن رحلة الأسئلة الكبرى، التى قادته إلى ما وصفه بأنه يقين قائم على العقل، وليس فقط على الوراثة والتواكل. كان كتاب مصطفى محمود "حوار مع صديقى الملحد"، هو أحد الكتب الأكثر شعبية فى السبعينيات، لأنه كان ذا أسلوب سهل وبسيط، يرضى قطاعاً كبيراً من الشباب كان يعيش الحيرة بين العقل والإيمان، ولهذا فقد قدم مصطفى محمود الكثير من الخيال فى كتابه استفاد فيه من موهبته القصصية والروائية. قبلها فى روايته "العنكبوت" كان قد طرح أفكاراً عن الاستبصار والحياة والموت والخيال، ونفس الأمر فى المستحيل أثناء عبوره لمرحلة الأسئلة، إلى مرحلة أخرى كانت الأسئلة فيها تبحث عن أجوبة أخرى. ولم يتوقف مصطفى محمود عن إعلان احترام العقل والتجريب على عكس كثيرين ممن امتهنوا سبوبة الإعجاز العلمى للأديان. والدليل على أن مصطفى محمود كان يحترم العقل أنه أنشأ فى مركزه الطبى مرصداً فلكياً ومتحفاً جيولوجياً وآخر للبيولوجيا. للأبحاث والعلوم وكانت خطة إنشاء جمعية مصطفى محمود ومستشفاه الشهير فى المهندسين هى الخطوة الأكثر إنسانية لدى الراحل، لأنه حاول أن يستغل أموال التبرعات فى إقامة مستشفى ضخم يفيد الفقراء وألحق به مراكز للأبحاث والعلوم. لقد صبغ عشقه للعلم طريقه الدينى بنوع من العقلانية سببت له مشاكل كثيرة مع التيارات الدينية التى اعتبره بعض أعضائها رجلاً يغرد خارج السرب، خاصة مع حرصه على شرح النظريات العلمية الكبرى مثل النسبية والنشوء والارتقاء، وهى نظريات كان مجرد الاقتراب منها يدخل ضمن الشطحات. ومع ذلك دخل مصطفى محمود فى جدل واسع مع كثيرين عندما أطلق كتابه عن "الشفاعة"، والذى انتقد فيه الإيمان التواكلى الخالى من العقل.. مصطفى محمود لمع مع شعار الرئيس السادات عن دولة العلم والايمان، وارتبط مع الرئيس الراحل بعلاقة صداقة، وأعلن حزنه على اغتياله من تيار هو الذى أفسح له الطريق. ومن هنا كان مصطفى محمود يدعو إلى أنسنة العلم بالإيمان، وعقلنة الإيمان بالعلم. وهو سؤال لا يزال مطروحاً.. رحل مصطفى محمود رجل الأسئلة، وترك زمن التناقضات والصراعات والمخاوف والأسئلة الصعبة.