أحياناً تنطلق جملة ذات معلومة معينة من أحد الأشخاص دون تروٍ.. فيرددها البعض دون تحليل، فتنتشر وتسود وتتحول إلى معلومة ثابتة وهى فى الحقيقة خطأ شائع.. هذه الأقاويل تسبب لى غيظاً شديداً وعادة ما تقال وسط تجمع من الناس، وربما أطلقها رجل كبير السن والمقام أو سيدة ذات علم وثقافة فيكون من الصعب أن أبدأ فى الكلام وأشرح وأطلق اللجام فلا يستطيع أحد أن يوقفنى فتبوخ الجلسة وربما شعر البعض بالضيق أو الحرج لذلك فأنا أبلع غيظى وأتحمل حتى إشعار آخر متاح.. ومنذ أيام، قيل أحد هذه الأقوال وبحماس شديد فقررت أن أبوح، اليوم. «إن التاريخ المصرى كله مزيف ومنذ نشأته الأولى فقد كان كل ملك من ملوك مصر القدماء يأتى إلى حكم البلاد فيبدأ فى محو كل إنجازات الملوك السابقين ويكتب هو وينسب إنجازاتهم إلى نفسه». وإذا حللنا هذه الجملة بهدوء نجد الآتى: إن التاريخ المصرى القديم مُقسم إلى ثلاثين أسرة حكمت مصر منذ 3400 عام تقريباً قبل الميلاد.. ولكل أسرة معلوماتها وإنجازاتها، فمثلاً الأسرة الرابعة وهى «أسرة بناة الأهرامات» وملوكها هم زوسر وسنفرو وخوفو وخفرع ومنكاورع أصحاب الأهرامات الشهيرة وكان عهد الأسرة الرابعة فى العام 2400 تقريباً قبل الميلاد.. وتشتهر الأسرة الخامسة ببداية كتابة «المتون على الجدران» وهذه المتون هى كتب الديانة المصرية القديمة والأسرة الثامنة عشرة التى تبدأ بأحمس محرر مصر من احتلال الهكسوس الذى دام لمدة مائة وخمسين عاماً تقريباً ثم «حتشبسوت» الملكة التى حكمت مصر أكثر من عشرين عاماً وكان عهدها عهد رخاء وسلام ولها رحلة تجارية شهيرة إلى بلاد الصومال ثم الذى جاء بعدها «تحتمس الثالث» صاحب أقدم إمبراطورية فى التاريخ الإنسانى ثم جاء بعده بمائة وخمسين عاماً تقريباً أمنحتب الرابع أو إخناتون صاحب أول رسالة توحيد فى التاريخ ثم «توت عنخ آمون» صاحب أشهر مقبرة وبعده حور محب القائد الشجاع والحاكم القوى ثم أحد ضباطه الشباب رمسيس الثانى بعد والده «سيتى» وامتد عصر الرعامسة لسنوات طويلة وهكذا إلى آخره.. إذن فالتاريخ قال وسجل لكل ملك منهم أعماله المدونة عنه وفى أيامه بدقة ولم يقل علم المصريات إن كل أعمال وأخبار الملوك المصريين القدماء مقصورة على الأسرة الأخيرة وهى الأسرة الثلاثون لأنه وحسب القول الخاطئ الشائع كان سوف يتم ترحيل كل التاريخ من ملك إلى ملك ومن عصر إلى عصر ليستقر كله فى جعبة آخر الملوك المصريين، قبل الغزو الفارسى. ويبدو أن الاستثناءين أصبحا قاعدة، الأول كان عن حتشبسوت فقد تمت إزالة اسمها وتاريخها من معبد أبيدوس الذى يحوى تاريخ كل ملوك مصر ويبدو أن صاحب هذه الفعلة هو رمسيس الثانى وليس كما قالوا تحتمس الثالث، ربما لم يقتنع بأن مصر تحكمها امرأة ومع ذلك ظهر تاريخ حتشبسوت فى أماكن كثيرة، خاصة رحلتها الشهيرة على جدران معبدها وتم تسجيل موقعها، وتكاد شهرتها، الآن، تتساوى مع رمسيس الثانى نفسه، والاستثناء الثانى هو «إخناتون» وربما أيضاً لم يرغب من جاءوا بعده من ملوك أو كهنة أن يضعوه فى مكانه التاريخى الصحيح لكونه مارقاً على دياناتهم القديمة ورغم هدم مدينته التى أقامها على شاطئ المنيا بعد وفاته غالباً وتركها خاوية مهجورة فإن المقابر التى حفرت فى أعلى الجبل قالت كل التاريخ وكل تفاصيل الديانة الموحدة الأولى فى التاريخ. والشىء الأقوى الذى تسبب فى سيادة هذه المقولة هو التزييف الأشهر فى تاريخنا الحديث وهو ما تم بعد 1952 لتشويه ال50 عاماً السابقة على يوليو وهو ما حدث وكان السبب فى فقد الثقة بشكل عام فى كل ما هو مدون وحقيقى وأيضاً فى كل ما هو مزيف ومؤلف ولو قلت، الآن، أنا إن «زكى جمعة» هو بانى الهرم الأكبر لصدقنى البعض.