عندما كان عالم الفلك كارل ساجان يتحدث عن عمر كوكب الأرض، ووجد أن مجرد ذكر رقم ينتهى بألف بليون هو شىء صعب التخيل بالنسبة لمشاهدى برنامجه التليفزيونى «الكون»، حاول ساجان التبسيط ولخص مسار الحياة فى سنة، وقال لو تخيلنا أن عمر الحياة على كوكبنا سنة واحدة فإن عمر الإنسان بكل تاريخه وانتصاراته وهزائمه من الكهوف حتى الإنترنت هو آخر عشر ثوان فى يوم 31 ديسمبر!!، معقول كل تاريخنا هو مجرد رمشة عين!، بالطبع ستصيبنا الصدمة وسيخدش الجيولوجيون كرامتنا مثلما خدشها جاليليو وكسر غرورنا عندما اكتشفنا أن كوكبنا ليس مركز الكون، فهو مجرد تابع ذليل وذرة غبار فى فضاء الكون الواسع، ومثلما جرح كبرياءنا داروين عندما أعلن أننا مجرد حلقة تطورية ودرجة سلم فى درج هائل الارتفاع، وأن القرد هو من أبناء عمومتنا يشاركنا نفس الجد المشترك. اختلاف علم الجيولوجيا مع تقديرات رجال الدين لعمر كوكب الأرض التى حددوا تاريخ ميلاد الحياة عليها بالتاسعة صباح الأحد 23 أكتوبر 4004 قبل الميلاد (زى النهارده)!، خلق مشكلة جدلية حول حرفية الكتاب المقدس، وهل قصصه لابد أن نأخذها حرفياً أم أنها مجرد رموز لها دلالات للوعظ وأخذ العبرة، المهم أن هؤلاء العلماء ساروا فى طريقهم بكل جدية لقياس عمر كوكب الأرض ومارسوا فى ذلك طرقاً كثيرة، من بينها ما يطلق عليه عمر النصف للنظائر المشعة كما ترجمها الجيولوجى د. مصطفى سليمان، لأن عمر النصف هو الترجمة الصحيحة كما يذكر وليس نصف العمر، ولكن ما هى حكاية عمر النصف وما هى تلك النظائر المشعة؟ ببساطة نواة العنصر فيها بروتونات ونيوترونات، عدد البروتونات ثابت وهو الذى يمنح العنصر رقمه الذرى المميز، فمثلاً الهيدروجين واحد والكربون ستة والكبريت ستة عشر، أما عدد النيوترونات فقد يختلف بالنسبة للعنصر الواحد، ومن هنا نستطيع أن نفهم معنى النظائر، فالكربون المعروف ستة بروتونات وستة نيوترونات يساوى 12، ولكن هناك كربون ذى سبعة نيوترونات يساوى 13، وهناك ب ثمانية نيوترونات يعنى يساوى 14.. إلخ، هذه الأنواع التى تحمل أرقام 13 و14 وغيرها تسمى نظائر، أى أنواع مختلفة من نفس العنصر تختلف فى عدد النيوترونات، وهى التى تستخدم فى قياس الزمن الجيولوجى. المفروض أن هناك ثباتاً واستقراراً داخل نواة الذرة بفعل التوازن بين النيوترونات المتعادلة والبروتونات الموجبة، لكن إذا أخذنا اليورانيوم على سبيل المثال سنجد أن البروتونات 92 والنيوترونات 146، المجموع أو ما يسمى الوزن الذرى 238، وهذا الفرق الكبير بين الرقمين البروتونى والنيوترونى يفقد النواة هذا الثبات فتتحلل النظائر وتطلق دفعات من الطاقة ومعها جسيمات نيوترونات وبروتونات وتتحول إلى شىء آخر، فمثلاً اليورانيوم ال 238 يفقد فيتحول إلى عنصر آخر رقمه 234 ويظل يفقد ويفقد لكى يتحول فى النهاية إلى رصاص 206 وهو ثابت ومستقر، ولكن ما هى قصة ما يسمى عمر النصف؟ عمر النصف لعنصر ما هو الوقت اللازم لتحلل نصف الكمية وتحولها إلى عنصر ثابت، فمثلاً إذا احتوت بلورة معدن على 100 ملليجرام من عنصر مشع فإنه بانقضاء وحدة عمر نصف واحدة يكون قد تحلل خمسين ملليجرام منه، وبانقضاء وحدتين يكون قد تحلل 75 ملليجرام وهكذا، عمر الصخور التى ندرسها وأعمارها ملايين السنين نحدده من خلال اليورانيوم مثلاً، أما حفائر بعض الكائنات الحية التى أعمارها عشرات الآلاف فقط فمن خلال الكربون المشع، وهكذا. ليس غرضى من هذا المقال أن أتحول إلى مدرس جيولوجيا ولكن غرضى أن تشاركنى أنت السؤال وعلامات الاستفهام.