ما إن أحكمت قبضتها على القدس عام 1967 حتى راحت إسرائيل تعمل بوتيرة سريعة على تغيير القوانين المطبقة، فقامت على الفور بضمها إلى دولة إسرائيل، ثم عملت على تنفيذ سائر القوانين الجديدة لتجعلها سارية بما خدم مصلحتها - ولايزال. وفى عام 1969 أجرت إسرائيل عملية إحصاء للمقدسيين المقيمين فى المدينةالمحتلة وشملتهم ضمن القانون الإسرائيلى، لكنها فيما يتعلق بموضوع المواطنة اعتبرت الفلسطينيين من أبناء المدينة «مقيمين» فى دولة إسرائيل وليسوا «مواطنين»، ومن ثم عمدت إلى تطبيق قانون الدخول لإسرائيل عليهم، المعتمد منذ عام 1952، والذى يقول عنه المحامى والباحث القانونى أحمد الرويضى إنه «قانون عنصرى استخدمته إسرائيل بشكل سافر فى القدس لطرد السكان الأصليين من المدينة والسيطرة عليها». يعطى القانون الحق لوزير الداخلية الإسرائيلية فى إلغاء إقامة أى مقدسى لأسباب مختلفة، منها ما ورد فى الأمر «11» من القانون، حيث يفقد المقدسى حق الإقامة إذا حصل على جنسية دولة أخرى، أو إذا أقام خارج القدس أكثر من سبع سنوات متصلة، وأيضاً أعطت الحق لوزارة الداخلية فى إلغاء الإقامة لأى سبب أمنى تراه مناسباً، وبهذه الذرائع الأمنية ألغت إسرائيل إقامة الآلاف، وسحبت أكثر من 20 ألف هوية مقدسية من السكان الفلسطينيين منذ 1967، وأجبرتهم على ترك المدينة. فى المقابل، لم تعف إسرائيل المقدسيين من الواجبات التى تترتب عليهم وفقاً لقوانينها، كما يوضح الرويضى: على هذا الأساس وباعتبار أن المقدسى «مقيم» وليس «مواطناً» فإن عليه حقوق الإقامة كدفع الضرائب وغيرها ولكنه ليس له أى حقوق سياسية، بمعنى عدم مشاركته على سبيل المثال فى الانتخابات الإسرائيلية النيابية، وهى التناقضات التى سعت مؤسسات حقوق الإنسان إلى التصدى لها بشتى الوسائل والطرق، معتبرة أن إلغاء إقامات المواطنين المقدسيين وطردهم من المدينة ما هى إلا سياسة «تطهير عرقى». وإلى جانب سلاح القانون، لجأت إسرائيل إلى فرض إجراءات وعراقيل فى مجال جمع شمل العائلات الفلسطينية وتسجيل المواليد لزوجات أو أزواج متزوجين من أزواج أو زوجات من خارج القدس «الضفة الغربية وغزة والخارج»، بحسب الرويضى. هنا تجدر الإشارة إلى أن الوضع القانونى للمقدسيين يختلف عن وضع فلسطينيى الداخل المحتل عام 1948، الذين فرضت عليهم دولة الاحتلال الجنسية الإسرائيلية، بصفتهم مواطنين لهم حقوق المواطنة بموجب القانون الإسرائيلى، ومن ذلك المشاركة فى الحياة السياسية، مع ما يلاحظ من أنهم فى مستوى أقل من اليهود بالنظر إلى سياسة التمييز المتبعة ضدهم فى مختلف المجالات، ومنها على سبيل المثال التعيين فى الوظائف الحكومية وغيرها. وبموجب القوانين الإسرائيلية، فإن فلسطينيى القدس «مقيمون» فى دولة إسرائيل، ولا يحملون جواز السفر الإسرائيلى، وإنما تمنح لهم وثائق سفر إسرائيلية تسمى «لاسى باسيه»، كما أنهم يحملون جواز سفر أردنياً، بالنظر إلى قرار فك الارتباط الذى صدر عام 1988 والذى استثنى القدس من القرار، غير أنهم ممنوعون من الحصول على الجنسية الفلسطينية، وبالتالى حمل جواز سفر فلسطينى أو بطاقة هوية فلسطينية، الأمر الذى يعلق عليه الرويضى قائلاً: «إن آليات القانون الدولى لم تستخدم حتى اللحظة فى مواجهة الإجراءات والقوانين الإسرائيلية فى القدس، وهو ما تسعى المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إلى القيام به»، لمواجهة الوضع القانونى المحير للمقدسيين، بصفتهم مواطنين مقيمين فى منطقة محتلة.