هل تعتقد فعلاً أنك تعيش فى مجتمع متدين، يحكمه الدين بالفطرة قبل أن يحكمه بنصوص الدستور، ونفوذ المشايخ؟ هل تأمن إذن فى هذا المجتمع «التقى» على مالك ودمك وعرضك، وهى الأمانات الثلاث التى ركز عليها الرسول الكريم فى خطبة وداعه وتركها أمانة لأتباعه «إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام.. كحُرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا». هل تعتقد أنك تتبع الرسول الكريم وسنته حين تُقبل على قراءة ومتابعة صحف وقنوات تتاجر فى الفضائح والأعراض؟ ألم تقرأ يوماً أو تستمع لخطيب على منبر يخبرك أن الرسول الكريم كان يرد الزناة رغم اعترافاتهم ويراجعهم فيما يقولون، وينهر الفضائحيين بقوله الكريم «هلا سترته بثوبك». لماذا لا تستر إذن مَنْ يلوكون سيرتهم بالسوء، فلا تُقبل على قراءة أو مشاهدة، فتضطر هذه الصحف وتلك القنوات إلى البحث عن محتوى صحفى وإعلامى أكثر نفعاً بدلاً من أن تُقبل على أكل لحم أخيك ميتاً؟ هل تعرف أن الصحيفة التى نشرت موضوع «شذوذ الفنانين» كانت تباع بعشرين جنيهاً ونفدت تماماً من الأسواق، رغم أن سعرها الرسمى جنيهان؟ هل تجد تفسيراً لذلك سوى إقبال غريب على استهلاك الفضائح وتلذذ أشد غرابة بدفع ثمن الحكايات غير المؤكدة؟ هل تجد تفسيراً مماثلاً لإصرار برامج «توك شو» كبيرة على متابعة خلاف بين شخصيتين عامتين، وفرد مساحات ومساحات لعرض «سيديهات» فضائحية، سوى أن هذه القنوات أدركت أن «الجمهور عاوز كده» فسارت خلف الزبون باعتباره دائماً على حق دون أن تدرك الفارق الحقيقى بين وسائل الإعلام ومحال البقالة؟ تلك الصحف وتلك الفضائيات هى التى لاكت قبل ذلك سيرة الضحيتين «هبة ونادين» منذ اللحظة الأولى لإعلان نبأ مصرعهما، وتفننت فى تقديم الوجبات الفضائحية الدسمة لجمهور نَهِِم، يشعل الحرائق من أجل «النقاب» ثم يقبل على استهلاك الفضائح جهراًَ دون أن يشعر بجرح فى تدينه، ودون أن يتذكر أى كلمة فى آيات وأحاديث الستر وقذف المحصنات. لا تعتقد إذن أنك فى مأمن على عِرْضك، فقد صارت اتهامات الأعراض أسهل شىء يمكن أن يوجهه لك خصومك، وصار تلفيق القصص متاحاً وفى متناول الجميع ولا يحتاج لكاتب سيناريو محترف. قد تختلف سياسياً مع مسؤول فتطلق شائعات عن ميوله الجنسية، وتجد لها رواجاً كبيراً بين مؤيديه قبل خصومه، وقد يثيرك تفوق فنان فلا تجد فى أدائه المهنى عيباً واحداً يمكن أن تتربص به من خلاله فتجد اتهامات الشرف أيسر الطرق للنيل منه، وأسرع الوسائل فى الوقت نفسه لتدمير السمعة وإزهاق الاعتبار. المؤكد أنك لن تفعل ذلك إذا لم تجد جمهوراً مستعداً ومتحفزاً لاستقبال ما تقول، والتقاطه بأى ثمن، وإعادة توزيعه بهمة ونشاط وبتدخل يزيد القصص إثارة، والمؤكد كذلك أن هذا الجمهور لا يحمل ضغينة واضحة لخصمك بقدر ما يحمل اهتماماً كبيراً لاستهلاك الفضائح أياً كان أبطالها، ومهما كانت القصص المروية عنها صحيحة أو مختلقة.. منزوعة من وقائع حقيقية أو محض خيال لا يجوز تصديقه. أنت المتهم الأول إذن.. أنت المستهلك وأنت الذى تمنح هذه الفضائح رواجها بإقبالك عليها، والمسألة بما أنها خرجت من الإعلام إلى التجارة أصبحت «عرض وطلب» كما تعرف، فلا تحاول إقناعى ثانية أنك متدين وتعيش فى مجتمع متدين، لأنك تعرف الحقيقة وتكابر. وأخيراً لا تأمن على عِرْضك.. فغداً يلوكون سيرتك لأى سبب، ربما لأنك تجتهد فى عملك، أو لأن شكلك لا يعجب آخرين، لا تقل إنك «زى الجنيه الدهب»، ولا أحد يستطيع الاقتراب من سمعتك، فحتى «الجنيه الدهب» يمكنهم أن «يخرموه»، وعندما يطير الخبر، لن يكترث أحد بالبحث عن الحقيقة.. وستخرج خاسراً فى جميع الأحوال. [email protected]