تكاملت نوبل للأدب التى فازت بها الألمانية هيرتا موللر مع فوز إيرينا بوكوفا بمنصب مدير عام اليونسكو قبل أسابيع من نفس هذا العام، فهما امرأتان فى زمن يعلو فيه صوت النساء كما لم يحدث من قبل، وهما من شرق أوروبا فى عام مرور 20 سنة على سقوط جدار برلين عام 1989، الذى اعتبرته الموسوعة البريطانية أهم أعوام القرن العشرين الميلادى. كان هذا العام بداية سقوط النظم الشيوعية، أو بالأحرى سقوطها من دون حرب نووية تدمر كل الأرض ومن عليها، وكانت وحدة ألمانيا الخطوة الأولى نحو وحدة أوروبا بشرقها الشيوعى وغربها الرأسمالى، ومن هذا الشرق جاءت إيرينا بوكوفا من بلغاريا وجاءت هيرتا موللر من رومانيا. صحيح أن موللر تكتب بالألمانية، ورواياتها بالتالى جزء من الأدب الألمانى، ولكن موضوعها الأثير الذى عبرت عنه هو الحياة فى ظل ديكتاتورية شاوشيسكو، ونظام حكم الحزب الواحد الشيوعى طوال ما يقرب من أربعة عقود. وفوزها الذى جاء مفاجأة، حيث لم تكن فى قوائم ترشيحات النقاد فى صحف العالم سوف يؤدى بالطبع إلى ترجمة أعمالها إلى لغات عدة، ومنها العربية، وليس لها أى عمل مترجم للعربية فى حدود معلوماتى. ونوبل للأدب تمنح عادة لأدباء اكتمل مشروعهم الأدبى إلى حد كبير، وبلغوا من السن عتياً، ولكن موللر فى السادسة والخمسين، وبذلك تكون الجائزة حافزاً لمزيد من الإبداع فيما بقى لها من العمر. ومن هذه الزاوية تشترك موللر مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى فوزه بجائزة نوبل للسلام، فالمعتاد أن يفوز بها من أنجز عملاً على طريق السلام، ولكن أوباما فاز عن مشروعه للسلام، الذى لم يتحقق بعد، والذى أعلن عنه فى مناسبات عدة منذ توليه الرئاسة فى يناير، وأهمها خطابه فى جامعة القاهرة لإحلال التعايش بين الثقافات بدلاً من الصراع، وفى إذاعتها للخبر بثت كل قنوات التليفزيون الكبرى صورة أوباما وهو يسرع الخطى على سلالم القصر الجمهورى فى القبة ليعانق الرئيس مبارك، ثم وهو يلقى خطابه التاريخى حقاً وفعلاً فى جامعة القاهرة، أول جامعة مدنية فى العالمين العربى والإسلامى. والفوز بنوبل عن مشروع أوباما للسلام من ناحية أخرى هو إعلاء من شأن الكلمة أو الخطاب النظرى، وفى البدء كانت الكلمة، وأول كلمة نزلت من القرآن كانت «اقرأ». فالكلمة تسبق الفعل وتصنع قيمته، وليس صحيحاً أن الفعل من دون كلمة هو الأهم كما هو شائع، والأصح أنه من دون كلمة يصبح فعلاً طائشاً. وكم نحن فى حاجة إلى أن نلغى من قاموسنا تعبير «بلاش فلسفة»، وأن يكون وراء كل ما نفعله «فلسفة». [email protected]