الذين هللوا لمجىء «أوباما» إلى القاهرة 4 يونيو المقبل، أرجو ألا يكون قد فاتهم أهم دلالات الموضوع.. فالكلام كله كان، ولايزال، فى اتجاه أن الزيارة اعتراف بمكانة مصر، وبأنها دولة محورية، وبمكانتها فى العالم الإسلامى، وبأن لنا ثقلاً سياسياً، وبأننا ننتمى إلى «أم الدنيا».. وبأن.. وبأن.. إلى آخر ما قيل من كلام، يدور حول ظاهر الزيارة، ولا يصل إلى معناها الكامن فيها! وما نفترضه، أننا بلد كبير، سواء جاء «أوباما» أو لم يأت، وأن دور البلد، أى بلد، تحدده إمكاناته، وإرادته، وقدرته على أن يرى حجمه الحقيقى، ثم يتصرف على هذا الأساس، ولا يتحدد الدور أبداً، ولا المكانة، أو الثقل، بشهادة أحد من خارجه، أياً كان هذا الأحد! وما نعرفه، أن الرئيس بوش الابن ظل فى البيت الأبيض ثلاثة آلاف يوم تقريباً، لم يقدم خلالها شيئاً للمنطقة، سوى الكلام عما سوف يفعله، وهو كلام كان يطمئن الناس هنا، إلى أن اكتشفوا أن الرجل قد رحل، ثم بقى كلامه من بعده! وحين جاء أوباما، فى 20 يناير الماضى، كان الواضح أن هناك توجهاً مختلفاً فى التعامل مع القضايا التى تخصنا، وكان لابد أن نعطى الرئيس الجديد، كما جرى العرف، مائة يوم يتحسس خلالها خطواته على الطريق، ثم يرى ماذا عليه أن يفعل.. وفى أول مايو كانت المائة يوم قد انتهت، وكان العالم، ونحن معه، يتطلع إلى الطريقة التى سوف يتصرف بها «أوباما» بعد أن مضت المهلة، التى كان كثيرون قد تفرغوا لإحصائها، يوماً بعد يوم، وفى اليوم التاسع بعد المائة أعلن خبر مجيئه إلينا، وأنه سوف يوجه من هنا خطاباً إلى العالم الإسلامى! وكان إعلان الخبر، يشير إلى أسلوب لدى الرئيس الأمريكى فى التفاعل مع المشاكل التى تواجهه، أكثر مما يدل على أى شىء آخر.. فهو يعرف أن هناك مشكلة قائمة بين المسلمين وبين بلاده، منذ جاء بوش الابن، وحتى رحل، ويعرف أيضاً أن هناك مشكلة أكبر بين إسرائيل وبين العرب عمرها 61 سنة، ويعرف أن الكلام فقط عن هاتين المشكلتين لن يحلهما، ولو ظل يتكلم مائة عام، وأن الكلام لابد أن يقترن باقتراب من المكان، لعله يراه أكثر، فيكون الحل أسهل.. من هنا بالضبط جاءت فلسفة الزيارة، ومن هنا كانت أسبابها، فاقتحام المشكلة نصف الطريق تقريباً إلى حلها، كما أن صواب توقيت القرار إسهام آخر فى إنجاز الحل.. فمتى نتعلم مراعاة فروق التوقيت فى قرارات حل مشاكلنا التى تنوء بها صدور الناس؟! فما أكثر القرارات فى حياتنا، ولكنها فى التوقيت المتأخر دوماً عن موعده.. فالرجل قرر اقتحام مشاكله بعد 109 أيام، ونظل نحن نلف حول مشاكلنا، مثل هذا العدد ليس فقط من الأيام، وإنما الشهور، وربما السنين!