أحداث جنوب اليمن تكشف «عورة النظام» وتعرض وحدة البلاد للضياع

عكست الأوضاع الأمنية التى شهدها اليمن مؤخرا طبيعة الخلافات الكامنة تحت السطح بين جنوبه وشماله، والانتقادات الموجهة إلى النظام الحاكم فى التعامل مع المعارضة من ناحية، وإهمال الحكومة قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية من ناحية أخرى بالتزامن مع تراجع الديمقراطية وتأجيل الانتخابات المحلية دون النظر إلى مطالب المواطنين فى البلاد، التى لم تطور بعد 19 عاما من انطلاق الوحدة اليمنية فى 1990 المؤسسات السياسية لدعم الوحدة فى مواجهة دعوات ومطالب الانفصال فى الجنوب.
وطغت الأوضاع على المشهد السياسى من جديد، واعتبرها الكثيرون بمثابة مؤشرات تنطوى على مخاطر تهدد مستقبل الوحدة اليمنية وتعيد تأزم الأوضاع فى اليمن، فاندلاع الاشتباكات بين القوات الحكومية والمحتجين فى 4 محافظات جنوبية، وما أسفرت عنه من سقوط عدد من القتلى بين الجانبين، يؤكدان الحراك السياسى الذى يشهده الجنوب وما يرفعه من مطالب وشعارات ضد الوحدة والدعوة إلى الانفصال.
ويعزز تلك التطورات الحرب فى محافظة صعدة منذ 5 سنوات بين القوات الحكومية والمتمردين الزيديين، ورغم توقيع اتفاق لوقف الحرب، تبادل الطرفان الاتهامات بخرق الاتفاق، واستعد المتمردون لإشعال نار الفتنة من جديد، كما يعززها تنامى مخاطر تنظيم القاعدة فى اليمن والهجمات المستمرة التى يشنها على السياح الأجانب وعلى أهداف استراتيجية، مما ينذر ب«صوملة» اليمن.
ويشكو سكان الجنوب، الذى توجد به أغلب المصادر النفطية، من انتهاك الشماليين لاتفاق الوحدة وسيطرته على مواردهم، بينما دعا بعض القادة والمعارضين بشكل صريح إلى الانفصال، ويخشى اليمنيون من تكرار أحداث الشغب والمواجهات مع قوات النظام، مثلما حدث فى مظاهرات حول التقاعد، الخاصة بالجيش فى عدن عام 2007، والاحتجاجات المتعلقة بالوظائف فى الجنوب فى العام الماضى، ومن ثم بات الوضع فى الجنوب يمثل كابوسا لقادة اليمن،
حيث يمس صميم الوحدة، وعزز من مطالب الانفصال خطاب المعارضين فى الخارج أعضاء الحزب الاشتراكى، الذين أقصى عدد منهم من الحكم إثر حرب 1994، حيث أعلن دعمه المطالب الانفصالية فيما ظلت المعارضة فى الداخل ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك، التى اتفقت مع السلطة على تعديل الدستور وتأجيل الانتخابات لمدة عامين، تؤكد أن الاحتجاجات فى الجنوب «ليست إلا محصلة طبيعية لفساد ولسوء إدارة السلطة لمؤسسات الدولة وهيمنتها على ثروات البلاد»،
 ويعتبر المراقبون تلك التطورات تحديات حقيقة تواجه اليمن، وعبر عنها الرئيس عبدالله صالح قائلا «عندنا همّ تنموى، عندنا هم ثقافى، عندنا هم صحى.. عندنا هموم كبيرة ليش نشغل أنفسنا بالقضايا الصغيرة؟ عبر عن رأيك بطرق ديمقراطية وبمسؤولية لا تخلق ثقافة الكراهية الشطرية»، داعيا اليمنيين إلى التصدى لتلك الظواهر التى تريد العودة باليمن إلى ما قبل عهد الوحدة.
وتتمثل المخارج من الوضع الراهن فى دعوة المعارضة فى الخارج واجتماع اليمنيين بجميع توجهاتهم للاتفاق على نظام سياسى رئاسى، وإقرار حكم محلى واسع الصلاحيات يعزز نصيب المحافظات الجنوبية فى ثروات البلاد، والعمل على بناء دولة حديثة قوية لا تلعب فيها القبلية إلا الدور المنوط بها فى الحفاظ على تاريخها وليس تغذية الخلافات.