الذين عملوا فى دول الخليج، خضعوا لنظام «الكفيل»، الذى يقضى بأن يحصل صاحب العمل على جواز سفر العامل، ليحتفظ به، ويتحول من خلاله إلى متحكم بمفرده، ليس فقط فى وظيفة العامل، أو دوره، أو مهمته التى يكون عليه أن يؤديها، وإنما فى حياته نفسها، ويستطيع صاحب أى عمل، والحال كذلك، أن يحيى ويميت الذين يتوظفون لديه! ولابد أن المسمى الطبيعى، لمثل هذا النظام، ليس كلمة «الكفيل» التى شاعت بين الناس.. فلو شئنا الدقة لسميناه نظام «الأسير».. ففيه يصبح أى عدد من العمال والموظفين، أسرى حرب حقيقيين عند صاحب أى عمل، بما يتناقض تماماً، مع أدنى مبادئ حقوق أى بنى آدم! وليس فى الدنيا شىء يرغمك على أن تعمل شيئاً لا تحبه، ولا فيها أى قانون يجبرك على أن تقوم بوظيفة تكرمها ولا تريدها.. وإنما الأمر كله، يظل أقرب ما يكون، إلى علاقة الزواج التى لا مفر من أن يتوافر فيها الإيجاب والقبول بين الطرفين، ودون ذلك، فهى علاقة فاسدة تقوم على أسس باطلة.. وما لم تتقابل إرادة صاحب العمل، مع إرادة العامل عنده، فى نقطة اتفاق طبيعى بينهما لا إرغام فيه، فالمسألة تتحول إلى عبودية فعلية، لا صلة بينها وبين أى عمل حر، يمكن للإنسان أن ينهض بأعبائه! وقد كانت دولة البحرين، حتى صباح أمس، تطبق هذا النظام، على كل مَنْ يدخل أراضيها باحثاً عن فرصة عمل، وساعياً وراء لقمة العيش، ثم قررت فجأة، إلغاءه ابتداءً من أغسطس المقبل، ليصبح العامل حراً فى التنقل من وظيفة إلى وظيفة، وفى الخروج من البلد، ثم العودة إليه، دون أن تكون رقبته فى قبضة أحد! وما نرجوه، ألا يطلع علينا، غداً، مَنْ يرد ويقول، إن البحرين دولة صغيرة وهامشية، وإن إلغاءها نظام الكفيل لا شأن له ولا تأثير ولا قيمة، لأنها فى النهاية مجرد جزيرة محدودة المساحة والسكان للغاية، وبالتالى فالموضوع كله لا يستحق كل هذه الضجة التى يمكن أن تثار حوله! ولو أن هناك أحداً راح يردد هذا الكلام، فسوف يكون كلاماً فارغاً لا يستند إلى منطق، ولا يقوم على أساس، لسبب بسيط، هو أن البحرين، بما قررته، إنما تعلو فى شأنها ووزنها، كدولة، على كل الدول الأخرى التى لاتزال تأخذ بهذا النظام مجتمعة.. فالدول الهامشية، إذا جاز هذا التعبير، هى الدول التى لاتزال تحرص عليه، وتطبقه، وليست البحرين، التى اختارت طواعية أن تقلع عن نظام لا يختلف مطلقاً، عن الرق فى أبشع أشكاله، ولا عن الإقطاع فى أفظع أنواعه، وأن تميل، بكامل إرادتها، كدولة، إلى حيث مجتمع الحضارة والإنسان! فى قفزة واحدة، انتقلت «المنامة» من الجاهلية، إلى القرن الحادى والعشرين وفسخت عقود عملها مع الشيطان!